الخميس، 26 أبريل 2012


نجيب محفوظ يحاكم حسني مبارك
نبوءة نجيب محفوظ : أن تحاكم مصر حكامها وتحكم عليهم

(1)
  في عام 1983م نشر نجيب محفوظ كتابا سياسيا ، اتخذ له صيغة سردية مبتكرة ، حيث جعله حوارا مع رجال مصر من مينا حتى أنور السادات ، كما جاء في العنوان الفرعي للكتاب ، أما عنوان الكتاب الرئيسي فهو " أمام العرش" ، وتحمل كلمة العرش معنيين أولهما :عرش الرحمن (سبحانه وتعالى) ، حيث يحاسب الخالق عباده من البشر يوم الحساب عما اقترفته أيديهم في الحياة الدنيا ، وثانيهما :عرش الحكم ، عرش مصر الخالدة ، وهو عرش ضارب في القدم منذ آلاف السنين ، عرش الفراعنة ، وكان أنور السادات قد وصف في كثير من المواقف بالفرعون ، وهو آخر فرعون عاصره نجيب محفوظ حينما شرع في تأليف كتابه .

  كتاب أمام العرش مبناه على الخيال فهو ليس تاريخا للحكم والحكام في مصر ، لكنه من ناحية أخرى يقوم على  قدر من الحقائق التاريخية المعروفة ، والسؤال هو : كيف وفق نجيب محفوظ بين الحقائق التاريخية والخيال الروائي في هذا الكتاب السياسي السردي البديع ؟!

  يجمع نجيب محفوظ حكام مصر ، من المصريين خاصة ، دون الأجانب المعتدين والمحتلين ، في قاعة المحكمة ، ليدور الحوار معهم وبينهم ، على أرضية المحاكمة العادلة ، وهي محكمة إيزيس وأوزوريس وحورس وكاتب المحكمة أو أمين سرها "تحوت" كاتب الآلهة ، ويصف لنا نجيب محفوظ في مطلع الكتاب قاعة المحكمة وهيئتها على النحو التالي :

   " انعقدت المحكمة بكامل هيئتها المقدسة في قاعة العدل بجدرانها العالية المنقوشة بالرموز الإلهية وسقفها المذهب تسبح في سمائه أحلام البشر . أوزوريس في الصدر على عرشه الذهبي ، وإلى يمينه إيزيس على عرشها ، وإلى يساره حورس على عرشه ، وعلى مبعدة يسيرة من قدميه تربع تحوت كاتب الآلهة مسندا إلى ساقيه المشتبكتين الكتاب الجامع ، وعلى جانبي القاعة صفت الكراسي المكسوة بقشرة من الذهب الخالص تنتظر من سيكتب لهم الخلاص من القادمين"  

(2)

    لقد استمد نجيب محفوظ وصفه لهيئة المحكمة من النقوش الفرعونية التي صورت يوم البعث والحساب ، وكما وردت أيضا في نصوص كتاب الموتى المصري أو ما عرف في ترجمات متأخرة باسم "الخروج إلى النهار" ولكن تلك النقوش كانت تصور المحكمة وهي "تزن قلوب الميتين الذين يحاسبون أمامها " أما ههنا فإننا أمام محكمة تستمع إلى أقوال المعروضين أمامها للحكم على أعمالهم وقبولها أو ردها بالعدل والقسطاس ، وهذا أيضا لم يكن بعيدا عما ورد من نصوص مصرية قديمة صورت يوم الحساب وقد قدم كل ميت أمام يدي المحكمة أدلة إحسانه ، ونفى عن نفسه كل تقصير، وكل ما يمكن أن يدينه من الأفعال والأقوال .

(3)

   تبدأ المحكمة عملها باستدعاء أقدم حاكم مصري كان له شأن في إقامة الدولة المصرية وهو مينا موحد القطرين أو صانع الوحدة الوطنية المصرية ، فقد أومأ أوزوريس إلى حورس فصاح الشاب بصوت جهوري :

- الملك مينا

   ودخل من الباب في أقصى القاعة رجل متلفعا بكفنه ، عاري الرأس ، حافي القدمين ، وأخذ يقترب من العرش بجسمه القوي وملامحه الواضحة حتى وقف على بعد ثلاثة أذرع منه في خشوع كامل . وأومأ أوزوريس إلى تحوت كاتب الآلهة فراح يقرأ من الكتاب :

- أعظم ملوك الأسرة الأولى ، حارب الليبيين وانتصر عليهم ، ، وهاجم مصر السفلى وضمها إلى مملكته الجنوبية ، وأعلن نفسه ملكا على مصر كلها وتوج رأسه بتاج مزدوج ، حول مجرى النيل ، وأنشأ مدينة منف في الفراغ المتخلف عن ذلك .

   كان هذا هو الوصف "الموضوعي" لما جاء في سجل يوم الحساب عن أعمال مينا ، وهي كما نرى أعمال تنقسم إلى عدة أنواع ، أولها : الأعمال الحربية ، وثانيها : الأعمال السياسية ، وثالثها : الأعمال العمرانية والإنشائية .

لكن المحكمة لا تكتفي بهذا السجل المكتوب ، بل تعطي الفرصة لكل من يمثل أمامها ليتحدث بنفسه عن نفسه ، ولذلك فقد توجه أوزوريس بالخطاب إلى مينا قائلا :

- هات ما عندك

فأخذ مينا يعدد ما صنعه على مدى السنوات الطوال حتى طهّر البلاد من الغرباء وحقق الحلم الذي تمثل في أمرين : طرد الأعداء من أرض الوطن وتوحيد البلاد تحت حكم موحد .

وحينما يقول مينا للمحكمة :

- استحوذ على مشاعري مجد مصر وأمنها

يقول له أوزوريس :

- ومجدك الشخصي أيضا ، فيقول الملك مينا بتسليم :

- لا أنكر ذلك ولكن الخير عم البلاد . فيرد عليه أوزوريس :

- وكان لأسرتك وأعوانك أوفى نصيب منه ، وللفلاحين الحد الأدنى .

ويحاول مينا الدفاع عن نفسه بتبرير ما اكتسبه الأعوان من مزايا ، وما عاناه الفلاحون من حيف قائلا :

- لم أنعم بحياة القصور ولم أهنأ بلذيذ الطعام والشراب ولم أمس من النساء إلا زوجتي ، فدفع بذلك عن نفسه تهمة الفساد الأخلاقي والسياسي ، ثم تدخلت إيزيس لتأكيد رضاها ورضا المحكمة العادلة عن مينا ، فتقول :

- إنه زهد  في النعيم ، ووحّد مصر ، ووفر للفلاحين الأمن .

ثم كان حكم المحكمة ، في حق مينا ، كما نطق به أوزوريس :

- أيها الملك ، اتخذ مجلسك على أول كرسي في الجناح الأيمن ، فمضى الملك مينا إلى كرسيه مدركا أنه أصبح من أهل النعيم في العالم الآخر .

 (4)

  وهكذا تمضي المحكمة التي تخيلها نجيب محفوظ ، فتحاسب كل حكام مصر ، وتحكم لهم أو عليهم . حتى إذا ما كان الدور على "ثوارفترة الظلام" الممتدة ما بين سقوط الدولة القديمة وقيام  الدولة الوسطى قدم نجيب محفوظ "رؤوس الثورة" الذين قادوا الجماهير الغاضبة في ثورة دموية مخربة ثم حكموا البلاد عهدا طويلا ، لكن نجيب محفوظ أتاح لهم الدفاع عن ثورتهم ، وجعل " أبنوم " أول من دعا إلى العصيان والقتال يتحدث باسمهم ، وجادل الفراعنة حول مشروعية قيام ثورة ضد الحكام الذين يمثلون الآلهة ويمتلكون الشرعية ، فيدافع أبنوم عن نفسه وعن زملائه الثوار مبررا وواصفا الثورة وصفا مثيرا لنا اليوم إذ يقول :

- انطلقت بين قومي أدعوهم إلى العصيان ومحاربة الظلم بالقوة ، وسرعان ما استجابوا إلى النداء فحطموا حاجز الخوف والتقاليد البالية ، ووجهوا ضرباتهم القاتلة إلى الطغاة والظالمين ، وسرت النار المقدسة إلى جميع البلاد وانطلقت قذائف الغضب الأحمر على الحكام والموظفين ورجال الدين والمقابر ، ثم استولينا على مقاليد الحكم .

وحينما يقول الحكيم بتاح حتب  أن أبنوم إنما يتحدث من منطلق حقد أسود ، يدافع أبنوم قائلا :

- إنه الحقد الذي زرعه في صدورنا السادة الظالمون .

وحينما يعترض الملك زوسر على ضياع هيبة الصفوة ويتعجب كيف يحل قوم من الفلاحين والصيادين والصناع محل الفراعنة الذين يجسدون الآلهة ، يرد عليه "أبنوم" في جسارة :

- لقد حلّوا محلهم بالفعل وأثبتوا أنهم خير منهم ، وأن الآلهة تتجسد فيمن يرفع راية العدل والرحمة أيا يكون .

ولكن الملك زوسر يهتف محتجا :

- يا لك من وقح !!

فيلتفت إليه أوزوريس قائلا :

- لا أسمح بتجاوز الأدب في الخطاب ، اعتذر

فقال زوسر في خشوع :

- أقدم المعذرة والأسف

وفي نهاية جلسة محاكمة الثوار ، تقول المحمكة في وضوح إن أبنوم وأصحابه "من أحكم أبنائي وأنبلهم" فذهبوا ليتخذوا مجالسهم بين الخالدين .

  يتجاهل نجيب محفوظ كل الحكام الأجانب ، باستثناء واحد هو محمد علي باشا ، وقد علق على محاكمته الملك الفرعون خوفو قائلا "كأنها أسرة فرعونية جديدة رغم أصلها الأجنبي " ومع ذلك فإن نجيب محفوظ لم يذكر من تلك الأسرة سوى محمد علي نفسه ، وتجاهل سائر أبنائه وأحفاده وكان حقه أن يدرج ابنه إبراهيم أيضا ضمن الحكام المصريين .

ويجعل نجيب محفوظ الحكام الضعفاء في مقام التافهين ، كما يذهب بفريق آخر - وهم من الداعين إلى الانقسام والتشرذم - إلى الجحيم .

   يقع كتاب نجيب محفوظ في 64 فصلا أطولها الفصل 62 الذي حاكمت فيه محكمة العدل المقدسة الابن البار جمال عبد الناصر ، الذي قالت في حقه إيزيس "إن أعماله الجليلة لتحتاج إلى جميع جدران المعابد لتسجيلها " ثم قالت أما الأخطاء فلا أدري كيف أدافع عنها ؟!

وفي سياق استماع المحكمة لأنور السادات ، فإن الزعيم مصطفى النحاس يتدخل قائلا للسادات " تركت الأمور تستفحل كأنك لا تبالي ، ثم انفجرت بغتة فألقيت بالجميع في السجون فأغضبت المسلمين والمسيحيين والمتطرفين والمعتدلين ، وانتهى الأمر بمأساة المنصة...

 (5 )

 والسؤال الآن هو : لوأن نجيب محفوظ عاش لما بعد يوم 11فبراير 2011م ، هل كان سيصدر طبعة جديدة من كتابه يجعل فيها فصلا عن حسني مبارك ؟! وماذا كنا ننتظر من حسني مبارك وقد دخل إلى قاعة المحكمة ، بعد أن قدمه "حورس"  ، فوجد أمامه كل هذا العدد من حكام مصر القدامى والمحدثين وهو يعرف منهم اثنين على الأقل معرفة شخصية ؟! هذا هو نص الفصل الجديد من الكتاب كما نخيلنا أن يكون نجيب محفوظ  قد كتبه ، وسجله "تحوت" كاتب الآلهة :

نادى حورس :

- محمد حسني مبارك

فدخل القاعة رجل ربعة ، ملفوفا في كفنه الأبيض ، ينظر تحت قدميه الحافيتين ، قد بدا أثرالسنين على جسده ، فمضى في سيره حتى مثل أمام العرش ، ودعاه أوزوريس للكلام فقال :

- ولدت في كفر المصيلحة من أعمال المنوفية ، في أسرة متواضعة كشأن أسرالفلاحين في ربوع مصر ، والتحقت بالكلية الجوية فتخرجت طيارا ، ودرست في روسيا ، وعملت في الجيش بجد واجتهاد حتى اختارني جمال عبد الناصر في أركان حرب القوات الجوية بعد الهزيمة العسكرية 1967م ، فأسهمت في إعادة بناء الجيش ، ولما حان وقت الثأر للكرامة الوطنية واستعادة الأرض السليبة في الشرق كنت أحد قادة الجيش الكبار، و من موقعي في القوات الجوية تحركت لضرب العدو في عقر داره حيث كان معسكرا في سيناء التي احتلها في غفلة منا . وبعد الحرب وفي ظروف تفكير الرئيس أنور السادات لإنهاء الحروب وإقامة السلام الدائم ، جعلني نائبا له ، فخبرت السياسة مدة شغلي لمنصب نائب الرئيس حوالي خمس سنوات ، ثم شاءت الأقدار أن يقع حادث المنصة ويذهب السادات قائد الحرب والسلام إلى وجه ربه ، فأتحمل المسؤولية ، وقد سعيت إلى الإبقاء على الأوضاع التي ورثت العرش عليها ، وكانت تتمثل في : الصداقة مع الولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمى في العالم ، ونشر ثقافة السلام ، وإقناع العرب بضرورة التسليم لأمريكا وحدها بمقدرات أمورنا حتى لا نتورط في حروب جديدة ، وكان أغلبهم مستعدا لذلك ، ومن هنا بدأت أعيدهم إلى الجامعة العربية وأعيد مصر إلى الوضع الطبيعي في وسط العرب ، وكان الاقتصاد في حالة بائسة فعقدت مؤتمرا اقتصاديا ، وسعيت لتحسين العلاقات السياسية والتجارية مع العرب والدول الأوربية وغيرها من بلدان العالم ، وقد نجحت في ذلك ، وحصلت على قروض كثيرة ، وبنيت طرقا ومددت شبكات للصرف الصحي والكهرباء في ربوع مصر ،كما أنشأت مواني ومناطق صناعية عديدة ، كما استكملت ما بدأه السادات من مدن جديدة ، ولكن الشيوعيين والناصريين والإخوان المسلمين ، لم يعجبهم شئ من كل ما صنعت ، وحاولوا تشويه كل عمل قمت به ، وبرغم أنهم يزعمون أنهم ضد الإرهاب الذي حاربته بلا هوادة ، فإنهم تحالفوا جميعا ضدي وقادوا العصيان المدني والمظاهرات بالملايين في الشوارع والميادين ، وقد ظللت لا أصدق أن الناس تستجيب لهم ، فالشعب لا يميل للعنف ، ولا ينكر أفضالي وأعمالي ، فلما ألحوا في طلب مغادرتي السلطة قائلين : ارحل ارحل ، أقدمت على  مخاطبة الشعب في يوم أول فبراير 2011م ، وأقنعته تماما أنني ابن بار له وحده ، وأنني لن أغادر بلدي إلى بلد آخر ولن أموت خارج بلادي التي حاربت من أجلها ، وقد بكى الشعب لكلماتي تأثرا بصدقها ، لكن شيئا ما قد حدث ، خطأ ما غيّر كل شئ ، لا أدري حتى الآن ماهو ذلك الشئ الذي غير النتيجة ، لقد سمعت عن حادثة سموها موقعة الجمل وكأننا في عصور الحروب القديمة بالسيف والرمح والجمال والحمير ، وما هكذا عرفت الحروب ، ولكن يبدو أن أتباعي ، قد خططوا لمعركة من نوع مختلف ، ولقد  اضطررت في النهاية إلى تسليم السلطة للجهة الوحيدة التي أثق فيها وهي الجيش ،  وقد لجأت إلى الشعب أطلب منه أن يتذكر ما قدمته من خدمات جليلة في الحرب والسلام ، ولكن الشعب كان قد تسمم بالأفكار التي أذاعوها عن الثورة والديمقراطية ، وكان ذلك كله بفضل حرية الإعلام التي شهدت في عهدي تقدما لا ينكره أعدى اعدائي ،  وفي النهاية تطاولوا علي وعلى أسرتي ، وأهانوني بوضعي في قفص حديدي بدعوى محاكمتي ، ثم لجأت إلى الله أشكو بثي  ، حتى أنني ذكرت أمام المحكمة بيت الشعر :

         بلدي وإن جارت عليّ عزيزة         وأهلي وإن ضنوا عليّ كرام

وكان هذا آخر ما سمعه مني الشعب  .

فقال أوزوريس :

- لم تذكر علاقة نشأت بينك وبين أعداء الأمة من الصهاينة المحتلين .

- لأنه لم يبق من أرض مصر شبر واحد لم نحرره ، ولقد لجأت للتحكيم الدولي للحصول على حقوقنا في بضعة الأمتار التي بقيت لنا في طابا ، وحصلنا على حقوقنا بالقانون ، مما يثبت صحة دعوتي ودعوة السادات من قبلي لكي ننهي الحروب ونعيش في سلام مع جيراننا .

فانبرى له جمال عبد الناصر قائلا:

- لقد هدمت البنيان الشامخ للقومية العربية ، وتحالفت أنت وأنصاف الحكام من العرب مع أعداء الأمة بغيرخجل ، ودنست شرف العسكرية المصرية حينما أرسلت جنودنا يقفون مع الأعداء ضد قوات العراق في الكويت .

ثم تدخل في الحديث "أبنوم" قائلا :

- لقد قلت في كلامك أنك منحدر من أسرة من الفلاحين ، وأنك حاربت مع المحاربين ،بل كنت قائدا من قادة الجيش الكبار ، فلم أفهم لماذا يخرج الشعب في ثورة عارمة ضدك ، إلا أن تكون قد أذللت الشعب ، وجعلت الفجوة بين أغنيائه وفقرائه كبيرة ، فمات الناس في طوابير الخبز ، ووقفوا في طوابير طويلة ليحصلوا على أنبوبة بوتاجاز ، في حين كنت تصدر الغاز لأعداء الأمة ، ومن أعجب ما سمعت أنه في عصرك ركب المصريون البحر وهجروا بلدهم بأعداد كبيرة بلغت الملايين ، وفي نهاية عصرك كانوا يركبون البحر في موجات هجرة غير شرعية فغرق منهم في مياه البحر أعداد غير قليلة ، وهذا كله من أدعى أسباب  الثورة كما عرفناها .

وتكلم أنور السادات فقال :

- كان عليك أن تتعلم من تجربيتي في عام 1977م ، حيث خرج هؤلاء وكادوا يشعلون ثورة ، مما حدا بي إلى مراجعة الموقف واستدراك الخطأ .

فقال حسني مبارك :

- لقد جعلت محدودي الدخل في مركز عنايتي واهتمامي ، ولكن القوى المناوئة لي أقنعوا الشعب أن له حقوقا أكبرمن ذلك وأوسع ، وزعموا لهم أنني أريد أن أورّث العرش لابني .

فتكلم جمال عبد الناصر بغضب  قائلا :

- كيف سوّلت لك نفسك أن تعيد التاريخ إلى الوراء ، وأن تهدم كل ما بنيناه من أيام أحمد عرابي مرورا بسعد زغلول ووصولا إلى ثورة الضباط الأحرار حتى خلص الحكم للشعب ولم يعد فيه مكان لوراثة العرش ، والأنكى من كل ذلك أن تترك الفلسطينيين يذبحون على مرمى حجر في غزة فلا تحرك ساكنا ، بل يعلن رئيس وزراء هذا الكيان الغاصب الحرب عليهم من القاهرة وهو ضيف عليك ، فأي عار ارتكتبت ، بل أي جرم تجرأت على اقترافه !! وما كان للسادات أن يختارك للولاية بعده ،  فأنت لا تستحق هذا الشرف  أبدا أبدا.

فقال أنور السادات :

- هلا رأفت به ياريس ؟!

ثم تحدث سعد زغلول فقال :

- يؤسفني أن أسمع أنك نمت في ذلك القفص الذي وضعوك فيه ليحاكموك ، وكنت تغمض عينيك وتفتحهما بين الفينة والفينة ، وهذا ليس من شيم الأحرار ، وما كان يليق بك أن تستكين وتتصرف كما لو كنت جنديا تابعا ومطيعا ، وتنسى أنك كنت القائد والرئيس ، وقد حللت في محل الفرعون والزعيم ، فكيف سوّغت لك نفسك أن تكون في هذا الوضع المهين ولا تهب رافضا المحاكمة والذل والهوان؟

فيرد حسني مبارك في وهن :

- كنت قد بلغت الثالثة والثمانين ، حينما بدأت المحاكمة ، وهم لم يراعوا هذه السن ، وجعلوني "فرجة" لأمم الأرض .

وهنا قالت إيزيس :

- لا أدري ماذا أقول في حق هذا الابن وقد بدأ في سلك الجندية مقاتلا خادما لبلاده ، وانتهى به الحال مطروحا في قفص اتهام ، كما هي حال المجرمين الآثمين .

فقال أوزوريس :

- إن المحكمة تتوقف في أمرك لسببين :

الأول : أنك تعرضت لمحاكمة فعلية من الشعب ، وهذا كان الحدث الأول من نوعه في تاريخ العرش المصري ، والثاني أنك ستعرض فعليا على محكمتك الإلهية يوم القيامة لتقول هي في شأنك القول الفصل ،اذهب واجلس على أرض القاعة كيفما اتفق فقد جعلت من نفسك أضحوكة.

25 أبريل 2012م


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق