رأيت مريد البرغوثي
قابلت وجالست عددا من المشاهير أهمهم : بنت الشاطئ و شوقي ضيف و صنع الله إبراهيم و أحمد مستجير و إسماعيل صبري عبد الله و فاروق شوشة و أحمد عبد المعطي حجازي .
و قد يكون أهم شخص كنت أتمنى أن أقابله و أحادثه هو " نجيب محفوظ " ، و لكني لم أحظ بهذا الشرف ، و قد رحل نجيب محفوظ عن دنيانا عام 2006م ، و مات الأمل في لقائه و رؤيته رأي العين .
ثم كان لي شرف اللقاء مع مريد البرغوثي ، فأضفته إلى قائمة المشاهير الذين قابلتهم و حادثتهم . و لم يكن اللقاء مع مريد البرغوثي مصادفة ، بل أغريناه بالسفر إلى طنطا ، لحضور مناقشة رسالة ماجستير أعدت عن شعره تحت عنوان " شعرية المفارقة في قصيدة مريد البرغوثي " أعدها بشير رفعت ، و هو شاعر أيضا و معترف به K فقد نال عدة جوائز كما أنه يحصل على منحة التفرغ من وزارة الثقافة .
جاء مريد البرغوثي إلى طنطا بصحبة زوجته الروائية والأستاذة الجامعية المعروفة "رضوى عاشور" التي كانت لها صورة في ذهني قديمة ، استمددتها من قراءتي لكتابها "الرحلة:مذكرات طالبة بعثة " و كانت تروي فيه عن رحلتها الدراسية إلى الولايات المتحدة وعن حياتها مع مريد ، فضلا عن هذا فإن رضوى هي قصيدة في شعر مريد .
كان الفضل في إقناع مريد و رضوى بالسفر إلى طنطا لـ زميلنا هاني حلمي من قسم اللغة الإنجليزية ، و هو تلميذ وفي لها ، و هي تحترم قدراته و كان من فضلها عليه أن مكنته من أن يصبح تلميذا مباشرا لـ إدوارد سعيد ، و كان هاني جديرا بتلك التلمذة ، حتى أن إدوارد سعيد قد حضر لمناقشة رسالته في آداب طنطا عم 1998م .
كنا في انتظار مريد و رضوى لكي يحضرا معنا المناقشة ، و تأخر قطارهم بعض الوقت ، فما إن وصلا إلى قسم اللغة العربية حتى أبديا اعتذارا شديدا ، أبلغاه في خجل باد ، و كان هذا هو أول انطباع عنهما معا .
طوال الوقت الذي أمضاه معنا مريد في طنطا ، كان متواضعا تواضعا صادقا ، لين الجانب موطأ الأكناف ، خفيض الصوت ، كتب إهداء لي على أحد أعماله على النحو التالي :
"محبة إلى الدكتور إبراهيم منصور ،
شرفني لقاؤك ، و أتمنى أن يكون بداية صداقة دائمة "
و طلبت منه أن يحضر إلى طنطا مرة أخرى لإلقاء شعره ، فإذا هو يقول : آتي إليك ماشيا .
و أخذنا الحديث إلى ابنه تميم ، و كنت أسأله عن ديوان " مقام عراق " الذي نشره تميم ، لأنني أكتب بحثا عن الشعر والحرب ، فاخبرني أن الشاعر عبد الرحمن الأبنودي قد أشار على تميم بأن ينشر الديوان لدى" أطلس" وأطلس ليس ناشرا ، وقد احتفظ بنسخ الديوان ، و لم يوزعه فكانت الفكرة وبالا على تميم وعلى الديوان ، حتى أن أصدقاء تميم يسألونه عن الديوان ، فلا أحد يستطيع الحصول عليه .
كان كلام مريد عن ابنه تميم يحمل اعتزازا و فخرا كبيرا ، و كأنه حينما يتحدث عن ابنه ، فإنه يتخلص من خجله و تلعثمه ، فهو يريد أن يعطي محدثه أوفى قدر من المعلومات عن ابنه الشاعر النابه ، وكان مما ذكره لي أن تميم قد قرأ جميع "الأساسيات" من الكتب الكبيرة ، من الجاحظ إلى ابن عبد ربه و سواهما ، و أنه يعد مرجعا في هذا الصدد ، حتى أن كبار الأدباء من طبقة الروائي بهاء طاهر حينما يغيب عنهم معرفة صاحب بيت من الشعر القديم ، فإنهم يتصلون بـ "تميم " للسؤال عن البيت و قائله ، ثم إذا بهم يكتشفون أنهم قد سألوا الشخص المناسب حقا ، لأنه لا يكتفي بأن يخبرهم عن البيت و صاحبه بل يزيد فيذكر لهم البيت أو الأبيات التي قبله والتي بعده من القصيدة ، هذا كله و تميم من خريجي العلوم السياسية ، و ليس متخصصا في الأدب العربي ، ولكنه طبعا يعمل لأجل مستقبله في الشعر وهو مستقبل واعد ، وقد حق لأبيه أن يفخر به . كما حق لتميم أيضا أن يفخر بأبيه مريد البرغوثي . و له أن يقول مع البارودي :
أنا في الشعر عريق ، لم أرثه عن كلالة
فهذا هو مريد البرغوثي الذي عرفته لوقت لم يزد عن نصف نهار ، و لكني لا أستطيع أن أنسى شخصيته الرائعة ، و أما شعره فلا شك أنني أضعه كما يضعه كثير من القراء والنقاد في المقدمة من ديوان الشعر العربي المعاصر .
20 - 4 -2007
الجمعة، 23 أكتوبر 2009
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق