السبت، 7 سبتمبر 2013

أقـدِمْ .. ثم أحْجِمْ !!
   الدكتور محمد سليم العوّا أحد المفكرين والقانونيين الذين نعرفهم ولا نعرفهم ، إذا قدم العوّا نفسه محاميا بارعا وقانونيا ضليعا فنراه مجيدا في هذا ولا نعترض عليه، أما إذا قدم نفسه باحثا ومنظّرا إسلاميا في التاريخ والسياسة ، فنجد أنفسنا أمام مغالطات لا حد لها وتناقض مشين لا يليق ، وقد لمسنا هذا قبل ثورة يناير في محاضرات عامة (حضرتُ إحداها في رأس البر، وكانت عن أهل الذمة في التاريخ الإسلامي ) وفي موضوع السلاح المكدّس في الكنائس ،  وفي سلسلة المحاضرات التي ألقاها في جمعية "مصر للثقافة والحوار" حاضنة حزب الوسط الإخواني ، وقد احتفت قناة الجزيرة مباشر بهذه المحاضرت احتفالا بالغا فأذاعتها كاملة عدة مرات على شاشتها . العوّا في هذه المحاضرات ، كما في كل خطابه عن التاريخ والسياسة يقدم خطابا شعبويا لا يقبل النقاش والجدل والمراجعة ، هو خطاب موازٍ لخطاب السلفيين في العقيدة والشرع .
  يعود العوا بوجهه الشعبوي السلفي الدوجمائي، حينما طلع علينا منذ يوم 30 يونيو وما بعده يوصّف الانقلاب ، ويرفضه ، ويدافع عن الشرعية ، ويتقدم بما يسمى مبادرات لحل الأزمة ، ولا نجد لكل ما يقدمه أثرا على الأرض ، فلا أطراف الأزمة قبلت مبادرته ، ولا هو سحبها ، إنه لا يتراجع أبدا ، معتمدا على الفكرة الإخوانية العتيدة : أقدِمْ وأحْجِمْ ، والإحجام غير التراجع ، وقد أحجم في موضوع "السلاح المكدّس في الكنائس" ، ولم يتراجع ، لم يعتذر ،فقط جعل منى الشاذلي وبعض الإعلاميين يقولون لنا عيب ! الراجل تراجع خلاص ، لموا نفسكم !! ولا توجد وثيقة واضحة تخبرنا أنه اعتذر في وضوح عما قال في حق المسيحيين والكنائس .
  يظهر العوّا يوم الجمعة 6سبتمبر ليقول على قناة الجزيرة أنه ضد الانقلاب ، يقولها في غير حماس ، كما هي حال الذين ( يعلكون جلود البلاغة علكا .. ولا يمضغون ) ثم يسأله المذيع عن آخر أخبار مبادراته ، فيكون رده في وضوح أنه كان على اتصال مع قادة الجيش حتى عشرة أيام مضت ، وأنه لم يتلق ردا على مبادرته حتى اليوم ، وهنا لابد لنا – منطقيا - أن نكذب العوا في إحدى روايتيه : رواية الشرعية وضد الانقلاب، ثم رواية الاتصال بقادة الجيش.
   أنا شخصيا أصدق العوّا في الروايتين ، هذا هو العوّا ببذرته الإخوانية العتيدة ( أقدِمْ وأحْجِم ) ، وفي ظني أن كل من يتعامل مع الجهات الأمنية ، ومن له مصالح معها ، لابد له أن يمتلك القدرة على تقديم هذا الخطاب المزدوج في كل لحظة ، العوّا فعلا ضد الانقلاب لأنه "إسلامي معتدل" ولن يخون انتماءه وزبائنه ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فالعوّا على اتصال بالجيش ، وقد ذكر عبد العظيم حمّاد في كتابه الخطير "الثورة التائهة" أن العوّا كان مرشح رجال الجيش العواجيز في الانتخابات الرئاسية  (ربما تراجع الجيش عن دعمه في الحملة الانتخابية هذا وارد ، لكن هذا كله لا ينفي علاقته بالجيش، وتفضيل الجيش له في تلك اللحظة ) ، وربما كان هو مستشار المجلس العسكري فأسهم في اختيار المستشار البشري وصبحي صالح في لجنة الدستور.
  سيظل العوا يعطينا دائما هذا الخطاب المزدوج طوال الوقت ، لن يعتذر عن أخطائه ولن يعترف بها ، سيحجم فقط ، هو أشبه بمن يقدم مراجعات فكرية ، ثم يقول لك : كانت مراجعات وليست تراجعات ، هم صادقون في هذا تماما ، نحن الذين أوهمنا أنفسنا يتغيير الأيديولوجيا ، الذي تغير هو أدوات الخطاب ووسائله ، مرحليا فقط .
   والعوّا ليس بعيدا عن أسلوب عريق يمكن العودة به إلى حسن البنا نفسه حينما كان يتفاوض أو يقدم عروضا لكل من الدكتور محمد حسين هيكل في عام 1935 أو زعيم الوفد النحاس أو مندوب الملك أو فؤاد سراج الدين، وكل ذلك مذكور ومثبت في كتاب "مذكرات في السياسة المصرية " لهيكل، وكتاب "من قتل حسن البنا ؟ " لـ محسن محمد .
حينما استدعى فؤاد سراج الدين حسن البنا عام 1942م ، دار بينهما الحوار التالي :
-         يا شيخ حسن عايز أعرف أنتم جماعة دينية أو حزب سياسي ؟ احنا ماعندناش مانع أبدا أنكم تكونوا حزب سياسي. أعلنوا على الملأ أنكم  بتشتغلوا بالسياسة ، وأنكم كونتم حزب سياسي ولا تتستروا بستار الدين ، ولا تتخفوا في زي الدين . أما أن تتستروا تحت شعار الدين "والله أكبر ولله الحمد " وفي نفس الوقت تقوموا بالعمل السياسي وتباشروا السياسة الحزبية فهذا غير معقول لأنه يخل بمبادئ تكافؤ الفرص بينكم وبين الأحزاب السياسية، أنا كرجل حزبي لا أستطيع أن أهاجم جماعة دينية تنادي بشعارات دينية سامية ، وإلا سأكون محل استنكار من الرأي العام .
رد الشيخ حسن البنا:
-          نحن لم نفكر في العمل بالسياسة ، ونحن فقط رجال دين ، ورجال فكر ديني ، وإذا كان قد صدر من بعض رجالنا أو من بعض شُعبنا أي عمل يخالف هذا الخط ، أو يدل على اتجاه سياسي فأنا أستنكره وسأوقفه عند حده فورا "  (كتاب محسن محمد ص ص 57-58 )
هنا كان حسن البنا يحجم ولا يتراجع ، ولذلك كتب تيرنس شون القائم بأعمال السفير البريطاني في القاهرة يوم 10 من أكتوبر( 1943م ) يقول :
" ربما يصبح الإخوان قوة سياسية خطيرة إذا قام تعاون حقيقي طويل بينها وبين الوفد أو تلقت منه دعما كبيرا . وتستخدم الجماعة الوفد حاليا لتحقيق أغراضها الخاصة . وبذلك يمكن أن تصبح السيطرة على الجماعة أمرا مستحيلا وتكون مصدرا كبيرا للقلق والاضطرابات "
   ثم رشح حسن البنا نفسه وخمسة من أعضاء الجماعة في انتخابات مجلس النواب في يناير 1945 ، ، ثم زوّرت الاتخابات ضدهم ،  وفي 25 فبراير عام 1945 ذكرت السفارة البريطانية في تقرير لها : "كونت عناصر معينة من كتائب الإخوان فرقة انتحارية ، وحسن البنا له كتيبته الخاصة من أربعين رجلا يختارهم بنفسه " ( كتاب محسن محمد ص 67)  .
  لقد كان حسن البنا وأتباعه طوال الوقت ، يركبون مطية الدين للوصول إلى غرضهم السياسي ، وكان مرتضى المراغي مدير الأمن العام يجري حوارا مع حسن البنا من أجل ضم الإخوان لمؤيدي الملك فاروق ، فقال للبنا " لسان حالكم يقول : والله لنخوض إليكم الباطل حتى نصل إلى الحق ، أو من باب الضرورات تبيح المحظورات "
-         قال البنا: نعم لك حق.
إن العوّا مثله مثل البنا بخطابه المتناقض المزدوج الرسالة، إنما يسير على الدرب الإخواني العتيد، يريد العوّا أن يرضي اتباعه في التيار الإسلامي، فيعرض نفسه وقد  " أقدَم " يريد قطع يد الجيش، ثم يرى نفسه عاجزا عن هذا ، فيحْجِم ، لكنه يأتي "بحركة" إخوانية بامتياز ، فإذا به يقبّل يد الجيش في نشوة وتلذذ !!  

تحريرا في 7 سبتمبر 2013م



الجمعة، 5 يوليو 2013

حوار هادئ في ليلة عاصفة



 بعد منتصف ليلة الأربعاء الثالث من يوليو ، كتبت على صفحتي على الفيس بوك العبارة التالية      
 ما طار طير وارتفع    إلا كما طار وقع

اللهم لا شماتة

فدخل صديقي الدكتور أحمد النجمي في حوار (دردشة) على الفيس بوك دار على النحو التالي :

·        أستاذي الأستاذ الدكتور إبراهيم منصور ... تحية قلبية خالصة .. كل عم أنت وأهلك وأسرتك ومن تحب بخير ... كل عام أنت سيف الحق المسلول على رقاب أهل الزيغ والهوى كما عرفتك دائما ... كل عام أنت مناضل من أجل الحق والكرامة والعدالة والحرية والإبداع ... كل عام أنت المتجرد في محراب العلم تعطي له وله فقط لا لغيره .... أهنئك بالعيد السعيد ... وأتذكرك في أزمات كثيرة تعصف بي فأسترشد بمقولاتك وأفعالك .... كل سنة وحضرتك طيب .. (النجمي)

مبروك يا أستاذنا حكم العسكر

-         ما تزعلش يا دكتور أحمد ، ما ضاع منكم هو كرسي الرئاسة وهو من عرض الدنيا والدنيا إلى زوال ، وأظن أنك توافق على أن مصر أبقى من الجميع.

·        طبعا بس حضرتك شايف الاعتقالات والرجوع إلى الخلف أين الديمقراطية أين احترام الصندوق هذا الطير كان أشرف للجميع إيقاع بالصندوق من أي شيء آخر من الاستقواء بقوة لطالماناديتم بسقوطهايكفي مرسي شرفا أنه أزال حكم العسكر ده معملوش كده مع الحزب الوطني والفلول

-         أظن مسألة الديمقراطية بحاجة إلى مناقشات مطولة لا يتسع لها المجال ، ولكن على الإخوان مراجعة أنفسهم مراجعة حقيقية ، وهذا هو المنطق السليم الآن.

·        والله أنا ألوم الإخوان وكنت غير راضي عن مرسي وعن أخطائه ولكن تنفست نسيم الديمقراطية والحرية والصندوق أول رئيس منتخب  والله الأيام القادمة ستسمع ما يسرك عن الحزب الوطني حسام بدراوي يعقد أول اجتماع للحزب ووزير الداخلية يلوح بعودة ـأمن الدولة شفت حضرتك غلق الحجزيرة على الهوا؟

-         أظن أن الرئيس مرسي لو استقال لكان أفضل كثيرا له ولمصر وللإخوان وللديمقراطية ، علشان نكون منصفين.

·         لماذ يستقيل ؟

ما ذا فعل ؟

بعث خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - برقية تهنئة للمستشار عدلي منصور رئيس جمهورية مصر العربية فيما يلي نصها:فخامة المستشار عدلي منصوررئيس جمهورية مصر العربية الشقيقةالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته باسم شعب المملكة العربية السعودية وبالأصالة عن نفسي، نهنئكم بتولي قيادة مصر في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها، وإننا إذ نفعل ذلك لندعو الله أن يعينكم على تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقكم لتحقيق آمال شعبنا الشقيق في جمهورية مصر العربية ، وفي الوقت ذاته نشد على أيدي رجال القوات المسلحة كافة ممثلة في شخص الفريق أول/ عبدالفتاح السيسي، الذين أخرجوا مصر في هذه المرحلة من نفق الله يعلم أبعاده وتداعياته، لكنها الحكمة والتعقل التي حفظت لكل الأطراف حقها في العملية السياسية.هذا وتقبلوا تحياتنا، ولأشقائنا في مصر وشعبها الكريم فائق احترامنا. حفظ الله مصر واستقرارها وأمنها.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز آل سعودملك المملكة العربية السعودية

·        وبكره إن شاء الله لو تمت انتخابات نزيهة ستأتي بمرسي ومن على شاكلته والتهمة ستكون لجهل الشعب

الكتاتني

!!!!!!!!!!

اعتقال

لذلك فأنا مع رئيس الشرعي الذي انتخبته وأنا في الخارج الدكتور محمد مرسي عيسى العياط

هي دي الدولة الجديدة

-         شوف كنت باقولك يستقيل لأن هي دي الديمقراطية ، لأنه فشل ، وانت بتقول عمل أيه؟ ، أبسط حاجة إنه ما عملش ، ودا سبب كافي جدا أنه يستقيل لأنه عجز تماما عن الفعل

·        معملش من وجهة نظر حضرتك وعمل من وجهة نظر ناس تانية كتير يبقى الحكم مين ؟؟؟ الجيش والعسكر ولا الصندوق مسمعناش في أية دولة ديمقراطية حصل الكلام ده إلا في تركيا ومصر والجزائروكله علشان موضوع الإسلام ليس إلا+ مليونية كل أسبوع + اعتصامات واحتجاجات

راتب حضرتكك ما زادش ؟ - القمح كنا على وشك الاكتفاء الذاتي منه ولا لأ؟ الإمارات وصرخاتها من مشروع قناة السويس يؤكد أهميته ؟

 

وكله بالتعاون مع الشرطة

عزل العسكر وتحويل مصر لدولة مدينة تتداول فيها السلطة ... معملش

ممكن أسأل حضرتك ... هي الفترة الانتقالية إلي قال عليها السيسي كام سنة ؟

-          موضوع الإسلام دا يا دكتور أحمد جرح غائر بلاش نفتحه ، قضية التجارة بالدين كشفها المجتمع ، والناس الذين انتخبوا مرسي هم أنفسهم ، أو علشان الدقة كثير منهم ، لم يعد ينطلي عليهم هذا الكلام فخرجوا عليه كما لم يخرج شعب على حاكمه في التاريخ ، أليس هذا أقوى من كل صندوق ؟

·        ومع ذلك لو نصب الصندوق وأصبحت نزيهة سيأتي أمثال مرسي هذا قدر مصر وهذا فهم شعبها

·        بقول لحضرتك .. السيسي حدد الفترة الانتقالية كام سنة ؟

-         والله لو الشعب انتخب مرسي مرة أخرى فلن يعترض أحد ، وما دمت أنت واثق أنه سيعاد انتخابه فلماذا الغضب واليأس ؟!

·        ههههههه أولا لا يأس عندي فكمثل ما حملت تضع لكن هناك غضب من الانقلاب على الشرعية وأكل الديمقراطية التي طلعت صنم عجوة يعبد فإذا لم يعجب يؤكل ومن أدراني أنه لو جاء مرسي أو غيره سينعم بشهر واحد في الحكم حصيلة الحرية التى ننعم بهــا حتى الآن تحت حكم البيادة :

1-    غلق جميع القنوات الإسلامية (17 قناة) التى تبث من الميادين و خاصة رابعه ..2- منع صدور جريدة الحرية و العدالة ..3- القبض على الكتاتنى رئيس حزب الحرية و العدالة       4-  إغلاق لجزيرة مباشر ..5- أعتقال مدير مكتب الجزيرة مباشر مصر و27 من الموظفين  6- إعتقال بعض الرموز الوطنية المؤيدة للشرعية ..7- التعامل بالرصاص الحى مع المؤيدين و سقوط شهداء !8- مصادرة كل الكاميرات فى محيط رابعة العدوية9- منع الصحفيين من الوصول لمؤيدين الرئيس فى رابعة العدوية 

 ممكن أطلب من حضرتك طلب بعيدًا عن السياسة أريد مساعدة حضرتك في أفكار موضوعات للترقية والنصيحة ورسم مسار

-         طيب قبل ما نخلص ونتكلم في الترقية ألا تتذكر موضوع الدستور وما فعله السلفيون والإخوان وكيف استخدمت الديمقراطية ضد المسيحيين والمرأة وضد الحرية ، مما أوغر الصدور وأغلق سبل الحوار والتفاهم ؟! ألم يكن ذلك ميلا بالديمقراطية نحو الهوى لتحقيق مصالح فئوية وحزبية ضيقة ؟!

·         كلام حضرتك .. صح ؟

بس السلفييون الآن مع الجيش ههههههههههه بس

 وأنا مقتنع بموضوع الدستور الدستور من مميزاته برلمان يمكن من خلاله تشكيل الحكومة

-         فعلا السلفيين الآن مع الجيش وهي مسألة مؤسفة وأنا لا أصدقهم وكان رأيي أن الإخوان استخدموهم ، وقد دفع الإخوان ثمن هذه الخطة غاليا الآن .

·        والجيش سيلفظهم قريباولكن هم ستار الإسلام السياسي أمام الشعب ليظهر المنقلب بحسن الصورة المشكلة مش في شيل مرسى أو بقاؤه والله ما كان عاجبني أسلوبه في الحككم المشكلة في الإجراءات احنا في المربع قبل الصفر بمراحل : تداول سلمي للسلطة دلوقتي مفيش حد حيستقر.

-         أظن آخر كلمة انت كتبتها مهمة جدا ، تداول سلمي للسلطة ، وهذا يجعلنا في مربع واحد وأنا سعيد أن ينتهي الحوار ونحن في هذا المربع الواحد.

·        ههههه   أنا أسعد أن أتبادل أطراف الحوار مع حضرتك والله يعلم مدى حبي وتقديري لحضرتك

-         وأنا طبعا أعتز بك جدا ، وأرجو أن ترسل لي أفكارك حول موضوع الترقية في رسالة على إيميلي حتى أدرسها جيدا وأرد عليك

·        إن شاء الله ... بارك الله في حضرتك تصبح على خير

-         تصبح على خير وبريدي الجديد هو ibrahimansour@du.edu.eg

السبت، 6 أكتوبر 2012

مستقبل جامعة دمياط ... بين اليأس والرجاء






هل يقدّرأساتذة الجامعة في دمياط المسؤولية الملقاة على عاتقهم ، بعد أن استقلّت جامعتهم عن الجامعة الأم في المنصورة ، وهل يقف المجتمع الدمياطي مع الجامعة الجديدة أم يتخلى عنها لصالح فرع جامعة الأزهر ؟! تساؤلات يطرحها كاتب المقال .

مفارقــات

مرّ التعليم الجامعي في دمياط ، خلال السنوات الأخيرة بمفارقات عجيبة ، ففي عام 2007م ، كانت التقارير الرسمية تقول إن الكليات الجامعية القائمة في دمياط تستطيع أن تتأهل لتكون جامعة مستقلة عن جامعة المنصورة ، وكانت تلك التقارير نفسها تقول بصعوبة تواجهها فروع الجامعات في كل من كفر الشيخ وسوهاج ودمنهور وبورسعيد ، ومع ذلك فقد استقلت كفر الشيخ بجامعتها عن طنطا ، وكذلك استقلت سوهاج عن جنوب الوادي في قنا في ذلك العام ، وبعد ذلك استطاعت كل من دمنهور وبورسعيد - برغم ما في إمكاناتهما من قصور- أن تستقلا عن الاسكندرية وقناة السويس ، ، فقد عاد موسم الانتخابات في عام 2010، فطلب البورسعيدية جامعة في مدينتهم فحصلوا عليها على الفور بتصريح شفوي من رئيس الدولة وقتها ، والمفارقة هنا أن الرئيس المخلوع قد زار دمياط مرات عديدة منذ 2007 وحتى 2010 ، وقد اعتاد حسني مبارك أن يسأل عن الجامعة في دمياط ، ولكن المحيطين به من أعضاء حزبه لم يكونوا واعين لأهمية الجامعة لدمياط ، ولا مشغولين بمستقبل التعليم الجامعي فيها ، ويبدو كذلك أن المحافظ الدكتور محمد فتحي البرادعي لم يكن يرغب في وجود صاحب منصب كبير آخر في دمياط ينافسه على النفوذ والسلطة والظهور الإعلامي ، فبقيت دمياط مرهونة لدى جامعة المنصورة ، حتى قامت ثورة 25 يناير ، وكان من حسن الطالع أن ملف الجامعة عرض على الرئيس الجديد المنتخب الدكتور محمد مرسي ، فوقع قرار إنشاء جامعة دمياط يوم 12 يوليو 2012 . ومنذ صباح يوم 13 يوليو كان علينا في الكليات التابعة لجامعة المنصورة في دمياط أن نتعامل مع الكيان الجديد المستقل "جامعة دمياط" .

وكان من المفارقات أيضا أن جامعة دمياط أصبحت أول جامعة يطبق عليها قانون انتخاب رئيس الجامعة بعد تعديله ، وإضافة شروط مشدّدة إليه ، فقد أصبح التقدم للمنصب مرهونا بشرطين : الأول إمضاء خمس سنوات في وظيفة أستاذ ، والثاني أن يكون المرشح على رأس العمل في جامعته لمدة ثلاث سنوات قبل ترشحه ، وقد أفضت هذه الشروط المتعسفة إلى تقليص فرص الترشح لمنصب رئيس الجامعة ، فتقدم للمنصب أربعة فقط من الأساتذة هم : الأستاذ الدكتور محمود سالم (كلية العلوم) الأستاذ الدكتور ممدوح صوفان (كلية العلوم) الأستاذ الدكتور علي حمايل (كلية الزراعة) وأخيرا الأستاذ الدكتور ياسين عجور (كلية العلوم) وكلهم ممن جاوز السادسة والخمسين ، بل إن واحدا منهم قد كسر التاسعة والخمسين ، ودخل في السنة الأخيرة له في الخدمة ، فإذا نجح وأصبح رئيسا للجامعة فلن يمضى في منصبه سوى أحد عشر شهرا فقط ، وقد شاع في الجامعة أن المتقدمين للمنصب ليس من بينهم من هو جدير بتحمل مسؤولية رئاسة الجامعة ، والحقيقة أن اثنين فقط من أصل أربعة هما اللذان يتنافسان على المنصب ، لأن اثنين من المتقدمين الأربعة ليس لهما حظوظ ، والواضح أنهما لن يحصلا على أصوات من المجمع الانتخابي ، وزاد الأمر تعقيدا تقدم بعض المرشحين لدى لجنة الإشراف على الانتخابات بطعون ضد مرشحين آخرين أدت إلى وقف الانتخابات . والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: من الذي سيقود جامعة دمياط في مرحلة الاستقلال ؟ وهل يملك من سينتخب لهذا المنصب الكبير رؤية وجسارة لكي ينهض بالجامعة ؟

لقد كان من سوء حظي أنني كتبت مقالا قصيرا طرحت فيه بصراحة ووضوح مخاوفي من وقوع إدارة الجامعة في أيدي من لا يقدّرون المسؤلية ، ولا يستطيعون القيام بعبء النهوض بالجامعة في هذا الظرف التاريخي بالنسبة لجامعة جديدة في مرحلة نشأتها ، ولم يكن المقال إلا ملاحظات أولية نشرتها على شبكة الإنترنت ، وربما كنت فعليّا أوجه شكوكي تجاه مرشح بعينه بسبب موقعه ، فترتب على ذلك حملة كبيرة ضدي وغضب من هذا المرشح لمنصب رئيس الجامعة وأنصاره ، وقد حاولت أن أشرح لهم أن ما يعنيني هو الجامعة ومستقبلها ، وليس الانتصار لأحد المرشحين على حساب مرشح آخر ، لكن أحدا لم يسمع لما أقول ، وتحولت المسألة إلى خصومة شخصية ، خشيت أن تضيع معها القضية الأساسية ، ونتوه في ضباب ومتاهة الدفاع عن الأشخاص وننسى الجامعة ، ومن هنا قررت أن أكتب اليوم مؤكدا على شكوكي ومخاوفي ، وهذه الشكوك والمخاوف تتمثل في مسألتين مهمتين هما : أولا علاقة جامعة دمياط بالجامعة الأم في المنصورة ، و رؤية الأشخاص الذين يتصدون لإدارة الجامعة والأخطار التي تواجه الجامعة من جرّاء قصور هذه الرؤية . المسألة الثانية هي علاقة المجتمع الدمياطي بالجامعة الجديدة ومدى استعداده لدعمها حتى نضمن أن تسير الجامعة على الطريق القويم نحو المستقبل .

جامعة دمياط والجامعة الأم

لقد مرّ على نشأة التعليم الجامعي في دمياط 36 سنة ، حيث نشأت أول كلية فيها وهي كلية التربية عام 1976م ، واليوم أصبح في دمياط ثماني كليات هي : العلوم والتجارة والزراعة والآداب والفنون التطبيقية والتربية الرياضية والتربية النوعية بالإضافة إلى كلية التربية ، ويرى المتأمل في حال هذه الجامعة اليوم ، مفارقة تضاف إلى المفارقات التي ذكرتها وهي أن جامعة المنصورة لم تضع حجرا واحدا في فرع الجامعة في دمياط ، فكليات التربية والعلوم والتجارة نشأت في مدينة دمياط محل مدارس أعطتها محافظة دمياط لجامعة المنصورة وقت إنشاء كلية التربية ، واليوم تقيم كليات العلوم والتربية والتربية الرياضية والتجارة والتربية النوعية في مباني جهاز تعمير دمياط الجديدة التي أهداها المهندس حسب الله الكفراوي للجامعة منذ منتصف الثمانينيات تشجيعا ودفعا للجامعة ، وبعض هذه المباني مدارس ، كانت خالية وقت إنشاء المدينة ، ولكنها اليوم مطلوب إخلاؤها لحاجة التلاميذ إليها ، وحينما اتجهت النية لإنشاء مستشفى تعليمي تمهيدا لإنشاء كلية طب في دمياط ، بنى جهاز التعمير مستشفى وعرضه على جامعة المنصورة بمساحة 35 فدانا مضروب حولها سور ، فرفضت جامعة المنصورة ، ولم يتحرك الدمايطة لانتزاع حقهم في إقامة كلية طب على أرض محافظة دمياط ، وكانت النتيجة الاتجاه لإغراء جامعة الأزهر باستلام المستشفى وإقامة كلية طب تابعة لجامعة الأزهر ، وقد كان ونشأت الكلية ولكنها لم تكن على المستوى المطلوب ، ولقد سمعت بأذني الأستاذ الدكتور محمد غنيم ، العلم المشهور في مجال جراحة المسالك البولية ، وهو يجاهر في التليفزيون برأيه السلبي في كلية طب الأزهر بدمياط الجديدة ، هو رأي نوافقه عليه ، وأنا أتحدى أن يقبل أساتذة جامعة دمياط أن تتعاقد الجامعة مع جامعة الأزهر لعلاج منسوبيها ورعايتهم صحيا ، وهو دليل واضح على غياب الثقة في تلك المؤسسة التعليمية الطبية على أرض محافظة دمياط ، وبرغم ذلك فقد اتجه جهاز التعمير ومجلس أمناء مدينة دمياط الجديدة ومحافظ دمياط ، لتشجيع جامعة الأزهر على امتلاك فرع كامل للجامعة في دمياط ، ووقف كثير من الدمايطة مع جامعة الأزهر ، ونسوا أن يقفوا مع جامعتهم "جامعة دمياط" .

ولقد ظلت المنصورة تترفع عن البناء وعن التطوير في فرع الجامعة ، ويكفي أن نذكر أن كلية تجارة دمياط ، ظلت فصولا داراسية تابعة لكلية تجارة المنصورة لمدة خمسة عشر عاما ، وتدفع جامعة دمياط الثمن لهذا الإهمال إلى اليوم ، بحيث أصبحت واحدة من أقدم كليات الجامعة ضعيفة إلى حد أن الطلاب لا يرغبون في الالتحاق بها ، وما تزال الكلية بلا هيئة تدريس فقام نائب رئيس الجامعة بإسناد منصب العميد لمدرس ترقى إلى أستاذ مساعد منذ شهرواحد . وأما الإنشاءات فحدث ولا حرج عن تدني مستواها قياسا بما أقامته الجامعة في حرمها الرئيسي في المنصورة ، فالمدينة الجامعية ، في دمياط الجديدة عمارات سكنية مما أنشأه جهاز التعمير ، ومقر إدارة الجامعة عمارات سكنية لم تنشأ لتكون مقرا للجامعة . ولكننا لن نطيل في شرح الملابسات الخاصة بأمر دمياط والمنصورة والأزهر فكلها من وجهة نظري من مفارقات التعليم الجامعي في دمياط كما ذكرت ، وقد قصّر فيها المجتمع الدمياطي تقصيرا واضحا يستأهل اللوم والتقريع .

أما ما يخص جامعة دمياط اليوم من العلاقة مع المنصورة فهو أمر آخر غير النبش في الماضي ،أو البكاء على اللبن المسكوب ، القضية اليوم هي تلك الحقوق التي لجامعة دمياط لدى جامعة المنصورة ، وهذه الحقوق هي حقوق قانونية فهي مستحقات مالية وعينبة ضخمة ، ويحتاج استرداد تلك الحقوق إلى همّة وعزيمة وتصميم ، فقد أصبحت جامعة المنصورة واحدة من أهم الجامعات المصرية والعربية ونحن جميعا نعتز بها مؤسسة تعليمية وطنية محترمة ، إلا أن جامعة دمياط لا تستطيع أن تترك حقوقا لها في ممتلكات الجامعة الأم ، ولاسيما النوادي والحقوق المالية في الصناديق الخاصة والقرية الأوليمبية التي بنيت بنقود الطلاب جميعا ، ومركز التقنية الذي يعد أهم مركز من نوعه في الجامعات المصرية بما يملك من خبرات فريدة ومباني ومعدات وبرامج إلكترونية أنتجها المركز على مدى سنوات ، ويبيعها اليوم للعديد من الجامعات بملايين الجنيهات . ولابد لرئيس الجامعة الجديد أن يشكل لجانا من الأساتذة والقانونيين والموظفين للتفاوض بقوة حول حقوق جامعة دمياط لدى جامعة المنصورة ، وإلا ضاعت تلك الحقوق إلى الأبد ، وسيكون ضياعها جريمة لن نغفرها لمن يرتكبها أيا ما كان .

وأما رؤية المسؤولين عن جامعة دمياط لجامعتهم ومدى قدرتهم على رسم سياسة مستقبلية ووضع خطة استراتيجية للجامعة ، فهو مما يثير الشكوك ، ويجعلني أنبه بشدة لخطر التهوين من هذه المسألة ، فقد حذّرت من وقوع الجامعة برمتها في أيدي بعض المنتفعين ، بما يشبه الشلّة التي تلتف في سهولة ويسر حول رئيس الجامعة المنتظر ، وتأخذه في اتجاه الحلول السهلة ، وترك التخطيط والعمل الجاد ، ولقد ظهر من مسلك المسؤولين عن الجامعة حتى الآن ما يؤكد تلك الشكوك ، فقد قام المسؤلون عن الجامعة بخطوات محددة بعد استقلال الجامعة منها تصميم شعار للجامعة (لوجوLogo) وصياغة نص الرؤية والرسالة التي تتبناها الجامعة ، والأمر الثالث تعيين بعض أعضاء هيئة التدريس في مناصب مهمة بالجامعة . وبمراجعة تلك القرارات تبين أن الأمر يتم في غير شفافية ، ولا يخضع للقواعد الصارمة من "سياسة تعارض المصالح" والتخطيط ، فشعار الجامعة خرج فجأة ، بدون الإعلان عن مسابقة لتصميمه في الصحف ولم تشكل له لجنة تحكيم ، بل كلف به فرد محدد وتتجه النية الآن لإعادة تصميمه ، وهو إهدار للوقت والجهد والمال ، وأما نص الرؤية والرسالة فقد تم تلفيقها ولم يشارك في صياغتها العدد الكافي من أساتذة الجامعة ولا سائر الأطراف التي يجب أن تشارك في صياغة تلك الرؤية ، وأغلب الظن أن هذا الأمر سيكون موضع نقاش وإعادة نظرأيضا ، وأما تعيين أساتذة وأساتذة مساعدين في مناصب مهمة فقد أعطى انطباعا بالشلليّة وتغليب المصالح الضيقة والمجاملات ، وهو أمر خطير ، نرجو أن يتصدى له السادة العمداء وكل مسؤول في الجامعة حتى نضمن ألا تقع الجامعة في أيدي من أسميهم "شلّة متحالفة".

الجامعة والمجتمع

ماتزال علاقة الدمايطة بالجامعة في بلدهم تثيرالأسى ، فلولا المهندس حسب الله الكفراوي وما فعله ، حينما خطط مدينة دمياط الجديدة ومنح الجامعة مساحة 300 فدان لبناء الحرم الجامعي لجامعة دمياط منذ عام 1986 ، لما كان في استطاعتنا اليوم أن نذكر هذا الاسم المحبب إلى نفوسنا " جامعة دمياط " . وأما المجتمع الدمياطي فلم يحاول في أية مرحلة على مدى الـ 36 عاما الماضية أن يتدخل لصالح الجامعة ، وكما ذكرت فإن المستشفي الذي بناه جهاز تعمير دمياط الجديدة كان مصيره أن يذهب إلى جامعة الأزهر لا إلى جامعة دمياط ، وحينما اتجهت نية المنافقين في وزارة الإسكان والتعمير وفي مجلس أمناء دمياط الجديدة إلى الاعتداء على أرض جامعة دمياط ، رافعين شعارات "مساكن مبارك " و " المشروع القومي لإسكان الشباب " و"لابد من تنفيذ برنامج الرئيس" لم يتصد لهم أحد ، وانتهى الأمر إلى تقليص أرض الجامعة من 300 فدان إلى 190 فدانا ، وحينما تقلصت المساحة على هذا النحو ، خططت الأرض لكي تبنى عليها الجامعة الجديدة بدون اعتبار لإنشاء مركز طبي ، وكان الزعم وقتها أن الجامعة ستكون "جامعة غير نمطية " وأن الجامعة ستركز على التخصصات الهندسية ، وهو كلام لا يقوله العقلاء ولا يوافقون عليه ، ولم يتدخل المجتمع الدمياطي ليسأل هل ستبقى جامعة دمياط إلى الأبد بدون مستشفى تعليمي وكلية طب وما يلحق بذلك من كليات للصيدلة وطب الأسنان والتمريض والمراكز الطبية المتخصصة ؟ باختصار هل ستكون جامعة دمياط بلا "مجمّع طبي" ؟

أظن أن الأمر سينتهي بمحاولة بناء المجمّع الطبي في أية لحظة ، وقد تكون تلك اللحظة قريبة جدا كما ذكر أحد المرشحين لرئاسة الجامعة ، وأتصور أن ثلاثة حلول ستكون مطروحة لهذه المعضلة ، الأول : أن يبنى المجمّع الطبي لجامعة دمياط بطريقة عشوائية غير مخططة ، وهو حل مرفوض طبعا ، ومع ذلك فإن أحد المرشحين بقوة لمنصب رئيس الجامعة يتبناه والثاني : أن يعاد تخطيط الحرم الجامعي الجديد ، وهو حل لن توافق عليه وزارة الإسكان ولا وزارة التخطيط ولا عقلاء جامعة دمياط ، فيبقى الحل الثالث الذي أطرحه أنا وهو أن ينشط المجتمع الدمياطي لإعادة الـ 110 فدان التي خصمت من حرم الجامعة لصالح بناء مساكن شوهاء تحيط بحرم الجامعة ، وهذا الحل لن يكون بهدم تلك المساكن أو وقف بنائها ، ولكن لابد من تخصيص مساحة بديلة فورا استنادا إلى التخطيط العمراني لدمياط الجديدة والذي اعتمد عند إنشائها ، هذه الـ 110 فدان موجودة بمحازاة الشاطئ قبالة أرض جامعة الأزهر شرقي المدينة ، ولابد من الإسراع بتخصيصها للجامعة وبناء سور حولها حتى لا تذهب الفرصة التاريخية التي لن تعوض أبدا ، فأنا أرى جبابرة الإسكان الطبقي المعزول (كومبوند compounds) قد وصلوا إلى هناك ، وأحاطوا جزءا من الأرض ولن يتوقفوا حتى نرى كل شبر في دمياط الجديدة قد تم نهبه والمتاجرة به ، وسوف تفوت الفرصة التاريخية على المجتمع في دمياط لاستكمال بناء جامعة عصرية كبيرة في أرض محافظة دمياط . ولابد أن تقف كل القوى المجتمعية والسياسية والجامعية وتتكاتف حتى نمحو عار الحزب الوطني المنحل بإهماله المتعمد لملف الجامعة في دمياط كل تلك السنوات ، وبهذه المناسبة لابد أن نذكر الفضل لأصحابه حيث كان لنواب حزب النور في دمياط فضل تحريك ملف الجامعة في بداية عام 2012م ، وهي الخطوة التي مهدت لقرار رئيس الجمهورية في 12 يوليو الماضي بإنشاء جامعة دمياط .

بنت الشاطئ ومستقبل الجامعة

إذا أردنا أن نخرج من نمط التفكير التشاؤمي ، ولو أنه واقعي تماما ، إلى نمط التفكير التفاؤلي ، لكي نتطلع إلى المستقبل ، فعلينا أن نطمح إلى تفعيل كل ما يجوز تفعيله من مزايا وإمكانات تملكها محافظة دمياط لبناء الصرح الشامخ لجامعة دمياط ، ومن هذا المنطلق يجب أن تستفيد الجامعة من أسماء مشرّفة وبنت الشاطئ وغيرهما من أعلام دمياط ، أما بنت الشاطئ ، عائشة عبد الرحمن ، فإن كلية آداب دمياط مندوبة للاحتفال بمئويتها (1913- 2013م) واستغلال هذه المئوية لنشر اسم الجامعة وتسويقه في مجال الإنسانيات والدراسات الدينية والدراسات النسوية ، وذلك بإقامة احتفالية كبرى ومؤتمر دولي محترم حول "الإسلام والمرأة " وسيكون لهذا الحدث أهمية قصوى في تسويق اسم جامعة دمياط ، ولا أدري كيف تستطيع كلية العلوم بجامعة دمياط أن تستغل اسم الدكتور مشرّفة لتحقيق أهداف مشابهة .

أما إمكانات محافظة دمياط الأخرى الجغرافية والتاريخية والسياحية والصناعية .. إلخ فهي مسألة يجب أن تكون موضع بحث ودراسة وأقترح أن تعقد الجامعة مؤتمرا لمناقشة العلاقة بين الجامعة والمجتمع في دمياط ، من أجل رؤية غير نمطية للعلاقة بين دمياط الجغرافية والتاريخ الحاضر والمستقبل ، ودورالجامعة في تنمية هذا الإقليم الذي اعتدنا أن نسمع أنه " قاطرة التنمية " في مصر، دون أن يخضع هذا المفهوم لأي تخطيط علمي على الإطلاق . ومما يؤرقني في هذا الشأن أن دمياط تحتاج إلى تطوير خط السكك الحديدية من دمياط إلى المنصورة وتحتاج إلى مطار ، فالجامعة لن تقوم لها قائمة بدون المواصلات السريعة المريحة التي تتيح للطلاب والأساتذة الانتقال الميسّر من الجامعة وإليها ، ولكني لم أرَ من أغلب الطامحين لرئاسة الجامعة تفكيرا يذهب في هذا الاتجاه . وأما مركز تنمية الصناعة بدمياط وجمعية رجال الأعمال بدمياط الجديدة ومحافظ دمياط والأحزاب السياسية وميناء دمياط ، ومثقفو دمياط ، والخبراء الدمايطة ممن يعيشون فيها أو خارجها في مصر أو في الغربة ، فكلها أطراف مدعوة - على تباينها - للعمل مع الجامعة من أجل هذا الهدف النبيل : " بناء دمياط قوية مخططة وطامحة " لتكون قاطرة للتنمية حقا وصدقا ، ولتصدق مقولة الرئيس المخلوع حسني مبارك التي ردّدها مرة ، فأصبحت شعارا رفعته مدينة رأس البرّ في مدخلها ، وقرأها زوارالمصيف مرارا وتكرارا ، كانت تلك العبارة تقول : " ياريتنا كلنا دمايطة ! "

هذا أهم ما أردت أن أبلغه ؛ لأنه أمانة ، من أجل مستقبل دمياط وجامعتها الوليدة ، اللهم إني قد بلغت ، اللهم فاشهد .

تحريرا في 22 سبتمبر2012م







الجمعة، 14 سبتمبر 2012

جامعة دمياط ومأساة الانتخابات

جامعة دمياط ومأساة الانتخابات



هل ولدت جامعة دمياط ميتة ؟ أم أن الأمل ما يزال قائما في جامعة جديدة عصرية ولها مستقبل مشرق؟

الحقيقة أن الشكوك تحيط بمستقبل هذه الجامعة وتكاد تطيح بآمال الطلاب و الأساتذة في إقامة جامعة جديدة وعصرية على أرض محافظة دمياط . لقد صدر القرار الجمهوري بتاريخ 12 يوليو 2012م باستقلال الجامعة الجديدة عن جامعة المنصورة وأصبحت جامعة دمياط أحدث الجامعات المصرية بعد انتخاب الرئيس الدكتور محمد مرسي .

وحتى لا نطيل في شرح أسباب التشاؤم فيما يختص بمستقبل جامعة دمياط ، فإننا نوجز الأسباب الموضوعية لذلك فيما يلي :

أولا : ظلت جامعة دمياط فرعا لجامعة المنصورة منذ 1976م ، وقد تطورت جامعة المنصورة منذ ذلك الوقت وحتى الآن حتى أصبحت واحدة من أهم الجامعات المصرية والعربية ، ومع ذلك لم تضع جامعة المنصورة حجرا واحدا في فرع دمياط ، فكل المباني الموجودة في دمياط ودمياط الجديدة إما مباني المدارس التي أهدتها محافظة دمياط لكليات التربية والعلوم والتجارة ، أو مباني جهاز تعمير دمياط الجديدة أهداها المهندس حسب الله الكفراوي لفرع الجامعة لإقامة كليات جديدة ، وأغلبها مباني مدارس وأصبحت دمياط الجديدة اليوم في أمس الحاجة إلى هذه المدارس بعد الزيادة الكبيرة في عدد السكان بها . والسؤال هو هل توجد خطة عاجلة وأخرى آجلة للتغلب على هذه المشكلة وخاصة أننا نملك الآن مساحة مقبولة خصصت لجامعة دمياط وأقيم حولها سور ؟

ثانيا : العلاقة مع جامعة المنصورة على مدى 36 عاما نتج عنها ارتباط عضوي مع جامعة المنصورة في أمور أساسية منها ( العلاج الطبي - النوادي - برامج التشغيل الإلكتروني والإدارة الإلكترونية للجامعة - الحقوق المالية والدرجات المالية ... إلخ ) فهل توجد خطة لحل هذه المشكلة العويصة ، ومن يقود المفاوضات بين الجامعتين الآن لضمان حقوق جامعة دمياط لدى جامعة المنصورة ؟!

ثالثا : مشكلة الكوادر الجامعية المدربة من الأساتذة والإداريين ، فحينما كانت الجامعة جزءا من كيان أكبر كانت تعاني من الإهمال الشديد والآن هي في أمس الحاجة إلى تكوين كادر كفء لإدارة الجامعة والنهوض بها ، فأين هؤلاء ومن يضمن لنا أن الانتخابات ستأتي بعناصر قادرة على التخطيط والتنفيذ في جامعة جديدة تحتاج لرؤية واجتهاد ، ولقد ظهر من الشواهد ما يدل على أن القائمين على أمر الجامعة حتى الآن لا يدركون حجم المسؤلية ، فقد فشلوا في تصميم شعار مناسب لجامعة دمياط (اللوجو ) كما فشلوا في صياغة نص الرؤية والرسالة التي تتبناها الجامعة الجديدة . كما سمعنا أن جامعة المنصورة قد واصلت مسلسل النهب المنظم لموارد جامعة دمياط وأن آخر مبلغ تم الاستيلاء عليه كان 5,5 مليون جنيه من آخر ميزانية ذهبت ولن تعود .

رابعا : أسلوب العمل داخل الجامعة حتى الآن لا يبشر بخير ولاسيما في إدارة الجامعة ، والشواهد تقول إن سلوك القيادة الجامعية الذي كان قائما بعمل رئيس الجامعة وأصبح مرشحا لرئاسة الجامعة ، يدعو للتساؤل والشك والريبة ، فقد أصدر قرارت عاجلة لمصلحة عدد من أعضاء المجمع الانتخابي نخشى أن تكون بمثابة رشاوي انتخابية ، ومن أكثر هذه القرارات إثارة للريبة تعيين الأستاذ الدكتور ح . ع مديرا لمشروع الجودة بالجامعة لمدة ثلاث سنوات ، والدكتورالمذكور أستاذ وكان عميدا و لم يثبت أنه كفاءة في مجال الجودة لأنه مسؤول من ملف الجودة في كلية التربية النوعية منذ سنوات ولم ينجح في الحصول على مشروع لتمويل التطوير بكليته فكيف يسند له عمل أكبر على مستوى الجامعة وهو قد فشل في إدارة عمل أصغرعلى مستوى الكلية ، والأهم من ذلك أن الدكتور ح .ع . تحيط حول قراراته الشبهات حينما كان عميدا معينا لكلية التربية النوعية وفي عهده عينت ابنة أخيه وعين اثنان من أبنائه معيدين بالكلية ، وأحاطت الشبهات بكثير من الأمور ومنها الامتحانات وتعيين المعيدين من أبناء الأساتذة من داخل الكلية ومن كلية التربية . والشبهة الأخيرة في موضوع الدكتور ح. ع أنه شقيق الدكتور س. ع عضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين . ومن القرارت المتسرعة المثيرة للريبة أيضا تعيين أستاذين مساعدين في موقع العمادة في كليتي التجارة والتربية الرياضية برغم أن القانون لا يبيح هذا إلا كخيار أخير ، ولدينا أساتذة كثيرون في كلية العلوم وكلية التربية يبيح القانون إسناد منصب العميد لهم في كليتي التجارة والتربية الرياضية ، فهل كان تجاهل الخيار الأولى في القانون واللجوء للخيار البديل لضمان الولاء والصوت الانتخابي على حساب مصلحة الجامعة ?! ، وخاصة أن الأستاذ المساعد الذي عين عميدا لكلية التربية الرياضية متهم في قضية خطيرة فقد وجه إليه الاتهام بإخفاء أوراق المتقدمين لوظائف أكاديمية بكليته وقد وقعت الجامعة عليه عقوبة كان مفعولها ساريا يوم صدر قرار تعيينه عميدا للكلية .

هذا غيض من فيض مما تعاني منه جامعة دمياط من مخاطر تواجه بها مستقبلها ، فهل يعي القائمون على أمر هذه الجامعة مدى حاجتنا إلى الإخلاص والتفاني من أجل بناء جامعة جديدة وعصرية في دمياط ، وهل ينتبه أعضاء المجمع الانتخابي لاختيار رئيس الجامعة الجديد إلى هذه الأخطار وهذه الكارثة المنتظرة لو استمرت هذه الشخصيات المشغولة بذاتها وبمصالحها في قيادة الجامعة ؟ّ

اللهم إني قد بلغت ، اللهم فاشهد .

أ.د. إبراهيم محمد منصور

رئيس قسم اللغة العربية - كلية الآداب

عضو المجمع الانتخابي لاختيار رئيس جامعة دمياط

تحريرا في 5/9/2012م

الاثنين، 23 يوليو 2012

مذكرات من ثورة 25 يناير


خرج ولم يعد

( 1 )

خرج ضابط الحرس من مكتبه بكلية آداب دمياط يوم الثلاثاء ، انصرف الضابط الشاب في هدوء بعد أن نزع ورقة يوم 24 يناير من نتيجة الحائط ، لقد كان على يقين من أن خروجه إلى شارع الكورنيش بمدينة دمياط ، أو إلى أي موقع آخر بالمدينة ، سوف يكون عملا روتينيا يساعد فيه ضباط الداخلية من كل القطاعات مع ضباط وجنود الأمن المركزي ، في السيطرة على المظاهرات ، إنها أوامر أمن الدولة التي لا ترد ، سيقف الضابط في الشارع لساعات طويلة ، ولكن لا بأس إذا كان العمل المريح والمميز جدا في حرس الجامعة يتخلله أحيانا مثل هذه المهام التي تذكّر الضباط والجنود في حرس الجامعة أنهم في النهاية من الشرطة وأنهم يتبعون وزارة الداخلية ، وإن كان مقر عملهم في الجامعة .

لقد أبلغه العميد محمد البلتاجي قائد الحرس بدمياط بالأوامر ، وتركه يمضي ليسلم نفسه لضباط أمن الدولة ، أما البلتاجي نفسه - وكنت قد التقيته في نهاية عام 2010 م - فقد كان مريضا بالكلى فلم يشارك في هذا العمل ، وقضى الله أن يتوفى بعد نجاح الثورة في الإطاحة بالديكتاتور ، ودفن في بلدته كفر المياسرة مركز الزرقا ، ولكني لم أعرف أنه ابن عم صديقي المهندس جمال البلتاجي ، ولم أشارك في جنازته ، فقد علمت بالوفاة بعد مضي أسبوع .

هل ذهب ضابط الحرس بآداب دمياط إلى ميدان الشهابية أم ذهب إلى ميدان البوسطة ؟ أم كان عليه أن يقف في النقطة الساخنة بباب الحرس ؟ علم ذلك عند الله .

( 2 )

أنا شخصيا كنت في ميدان البوسطة أمام تمثال بنت الشاطئ ، بدأنا الوقفة عند تمام الواحدة ظهريوم الثلاثاء 25 يناير ، كنا عشرة ناشطين بالتمام والكمال : محمد درة ، صاحب البيت حيث مقر حزب الأحرار مكان التحرك ، ومنتصر زميله في الحزب وصديقهما عضو حزب العمل عبد الوكيل مصطفى ومحمد التوارجي منسق حركة كفاية بدمياط وشادي التوارجي ومحمد الشطوري من حزب الكرامة ، وأحمد خضر المحامي وأنيس البياع نائب رئيس حزب التجمع المستقيل ، وأحمد عماشة الإخواني الوحيد بيننا ، وأخيرا كاتب هذه السطور .

حينما وقفنا على الرصيف وبدأنا الهتاف كان معنا علم مصر نحمله ونلوح به ، لم يكن عدد الأعلام يزيد على علمين أو ثلاثة ، وكان أحمد عماشة وحده يحمل راية لونها أخضر فستقي لا أدري إلى ماذا كانت ترمز تلك الراية ، كانت راية صغيرة مثبتة في عصا قصيرة لكنه كان يحملها فوق كتفه ويجول بها على الرصيف وسط هذا الجمع من الأصدقاء بطريقة مضحكة ، وبدأ محمد درة الهتاف في ميكرفون يدوي كان يحمله كلما خرجنا ، في مناسبة من المناسبات ، وكان آخرها يوم 3 يناير حينما وقفنا أمام برج الشرطة وانتقلنا إلى الكنيسة لتعزية إخواننا في ضحايا ليلة رأس السنة الدموية في الإسكندرية يوم العدوان على كنيسة القديسين . يومها أصر الضباط ألا نمشي في الشارع مجتمعين بل نركب السيارات أو نمشي متفرقين ، وقال كبيرهم هذا هو الاتفاق ، أذعنا له التزاما بالاتفاق .

بعد نحو ثلاثة أرباع الساعة من بداية وقفتنا ، كان العدد قد زاد على الخمسين ، وكان نحو مائة شخص آخرين قد وقفوا يتفرجون ويستمعون للهتافات العالية بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية : عيش حرية كرامة إنسانية ، وفجأة حضرت مجموعة الحزب الناصري بقيادة أحمد سرّيّة وضياء داوود ومحمد بركات وجمال كسبر وآخرين ، لم تقف المجموعة الجديدة على الرصيف ، وما الذي يلزمهم بهذا الكردون وهم قد تحركوا من أمام الحزب الناصري إلى حيث نقف نحن هنا ؟! وقاد أحمد سرّيّة الهتاف وألهب المشاعر وبث في الحاضرين روحا من التحدي ، فنزلنا من فوق الرصيف إلى بحر الشارع ، وهتفنا وراء أحمد سرّيّة ، فقد أخذ يضرب على صدره بقوة هاتفا " إحنا اصحاب القضية ، إحنا اصحاب القضية " و " يا جمال قول لابوك الدمايطة بيكرهوك " ورددنا خلفه هتافاته في حماس بالغ ، في هذه اللحظة أخذت الأعداد تتزايد والجو يزداد سخونة ، وكانت الساعة قد بلغت تمام الثانية ، فأخذ الضباط يخاطبون التوارجي ودرة والبياع مطالبين بالالتزام بالموعد المتفق عليه أي الانصراف بعد ساعة واحدة ، في هذه اللحظة تناول التوارجي الميكروفون وأخذ يخطب قائلا " الضباط ليسوا أعداءنا ، نحن نحتفل اليوم بذكرى البطولة التي أبداها ضباط الشرطة الشجعان في الإسماعيلية في عام 1951 ، سوف نتلتزم ونوقف المظاهرة الآن ، ولكن نعدكم أننا سنكون هنا قريبا وسوف نحتفل مرة أخرى وسوف يكون احتفالنا بالنصر ، وأما حبيب العادلي فسوف يكون سجينا خلف القضبان " وصفق الحضور ، وهتف الجميع : يسقط يسقط حسني مبارك ، وانتهت المظاهرة عند هذا الحد.



( 3 )

كان ظني حتى ذلك الوقت أن مظاهرة دمياط هي هذه المظاهرة التي شاركنا فيها ، وأنها قد انتهت عند هذا الحد ، لكني كنت مخطئا تماما ؛ لأن مظاهرة أخرى كانت هناك في منطقة باب الحرس ، حيث تجمع شباب 6 أبريل ، و قد كسروا الطوق الذي كان يحاصرهم على الرصيف عند محطة الأتوبيس ، ومن المفارقات أن سمير الفيل ، الأديب المعروف ، كان واحدا من الذين كسروا الطوق حول مظاهرة باب الحرس ، فتحركت المظاهرة في شارع الجلاء حتى وصلت إلى ميدان البوسطة ، في هذه اللحظة كان مصير ضابط الحرس الجامعي بكلية الآداب يتغيربشكل درامي ، فقد كتب في كتاب حياته المهنية فصل جديد ، فهل كان الضابط الشاب يدري بما تحيكه له الأقدار ؟

حينما تحركت الموجة البشرية في الشارع واستعصت على السيطرة الشرطية المعتادة ، تقرر ألا تعود الشرطة لسكناتها وأماكن انتشارها الأصلية ، ولكن تبقى في الشوارع حتى إخطار آخر ، لم يعد هناك فرق بين نقطة وأخرى ، أينما كان ضابط الحرس ، فإن عودته لمكتبه في كلية الآداب أصبحت مؤجلة حتى إشعار آخر .

وفي صباح اليوم التالي ، الأربعاء 26 يناير 2011م ، قبض على كل من محمد التوارجي وولده شادي ، وضياء الدين داوود ومحمد مصطفى وماهر الشيال وأحمد عماشة وأحمد سرية .

تطورت الأحداث تطورا دراميا متسارعا ، فشهدت مدينة دمياط أكبر مظاهرات في تاريخها يوم جمعة الغضب 29 يناير ، وضربتنا الشرطة بعنف في نهاية اليوم فقتل من قتل وأصيب من أصيب ، وأحرقت بعض مباني الشرطة وبعض السيارات ومقر الحزب الوطني ، وبقيت الشرطة في الشوارع لا تغادر ، ولا تنام ، حتى عصر يوم 29 يناير ، خرج زملاؤنا المعتقلون عند الواحدة ظهرا ، واستقبلناهم في الميدان استقبال الأبطال ، ثم جاء الجيش عند العصرإلى دمياط وتمركز في الاستاد ، فاستقبلنا ضباطه وجنوده بالورود ، وسارت الثورة في طريقها بعزيمة لا تلين حتى سقط الديكتاتور يوم 11 فبراير .



( 4 )

لم أكن أعمل رسميا في كلية آداب دمياط ، وإن كنت عملت بها منتدبا بعض الوقت ، ولا كنت أعرف ضابط الحرس معرفة شخصية ، كان العميد محمد البلتاجي قد ذكر اسما أمامي قائلا : الضابط مهاب ، وكرّت أيام الثورة المجيدة تباعا وعدنا لعملنا في الجامعة ، وجاء الجيش يحرس المنشآت الجامعية ، ثم قدر لي أن أنتقل من جامعة طنطا إلى جامعة المنصورة في دمياط ، وقد تبخر الحرس الجامعي تماما فقد نفذت الجامعات حكم القانون الذي كان يقضي بأن تعين كل جامعة حرسا جامعيا من المدنيين يتقاضون أجورهم من أموال الجامعة ويتبعون رئيسها تبعية مباشرة . وكرّت الشهور أيضا وتقرر أن تقام انتخابات جامعية ، فترشحت لعضوية لجنة انتخابات الكلية ، ثم أصبحت بحكم الأقدمية رئيسا لتلك اللجنة ، وبدأت أمارس عملي من حجرة خصصتها إدارة الكلية لعمل اللجنة .

كانت الغرفة التي تسلمناها مؤثثة جيدا ، بها أنتريه منجّد ومكتب خشبي ومروحة رِجْل "فريش" ، وتليفون أرضي ، لاحظت أن التليفون لا يعمل ، فطلبت إعاة توصيله ، وجاء عامل التليفون لإصلاحه ، وفي حواري معه قال إن التليفون كان لضابط الأمن وأنه لا يعمل منذ ترك الضابط عمله في الكلية ، كان وجود غرفة خاصة وتليفون وأنتريه ومروحة لاستخدام شخص واحد في كلية آداب دمياط أمرا استثنائيا للغاية لأن مبنى الكلية صغير جدا، والإمكانيات محدودة ، وعميد الكلية دائما هو أستاذ منتدب من المنصورة ، ولا يريد لأحد أن ينافسه في المزايا التي يتمتع بها في منصب العميد ومنها وجود جهاز التليفون بخط مباشر والمروحة والأنتريه ، لكن ضابط الأمن كان استثناء من ذلك التقشف ليس في آداب دمياط - الفقيرة جدا - وحدها بل في كل كليات الجامعة في مصر تقريبا .

لم أجد في مكتب الضابط أوراقا تدل على عمله ، فيما عدا بعض تصاريح دخول السيارات إلى حرم الكلية ، ومن المتعلقات الشخصية كان هناك علبة عيدان بلاستيكية لتسليك الأذن ، ما عدا ذلك لم يبق من أثر الضابط شئ على الإطلاق ، ومضى اليوم الأول وأنا أعيد ترتيب الحجرة وتنظيفها ، وغادرت المكان في نهاية اليوم ، وقد ذهبت أخبار الضابط إلى ركن خفي من شعوري واهتمامي .

( 5 )

في اليوم التالي عدت لمواصلة العمل في لجنة الانتخابات ، كان يوما جديدا من شهر سبتمبر ، يوم الاثنين من الأسبوع الثالث من شهر سبتمبرعام 2011م ، وحينما شرعت في كتابة التاريخ وأنا أسجل أول محضر لاجتماعات اللجنة ، نظرت إلى الحائط أسأل النتيجة عن تاريخ اليوم ، في هذه اللحظة لمحت التاريخ عن بعد فلم أتبينه جيدا لكنني عرفته ، وأيقنت أنه هو ، هو يوم العيد ، ذهبت أعدو إلى الحائط المعلقة عليه النتيجة ، وأمسكت بالورقة ، كان التاريخ المدون عليها هو 25 يناير 2011م ، وقد كتب بأسفل الورقة "عيد الشرطة" ، ياااا اللله ، في هذه اللحظة تحديدا كنت شغوفا جدا أن أسأل عن الضابط ، عن اسمه ، وعن رتبته ، وفي هذه اللحظة عرفت الاسم كاملا " مهاب صبري" ورتبته في الميري : "نقيب مهاب صبري" ، بحرس الجامعة بدمياط ، نقيب مهاب صبري قائد الحرس بكلية الآداب ، ياااااه ، ذهب مهاب صبري يوم عيد الشرطة إلى ميدان البوسطة أو إلى مكان قريب على الكورنيش في مدينة دمياط ، حيث مقر الحزب الناصري ، أو لعله كان هناك في باب الحرس ، لمحاصرة المظاهرات ، أو للمشاركة في قمع المظاهرات ، وفي يقينه أنه سيعود لعمله المميز في حرس الجامعة ، لكنه لم يعد أبدا إلى ذلك المكان ، ولم تطأه قدماه منذ ذلك اليوم . وبعد انتخاب عميد جديد للكلية ، سوف تصبح غرفة قائد الحرس مستقرا للأساتذة الرواد الذين لا تسعفهم أرجلهم - وقد تقوست عظامها أو كادت - للصعود إلى الدورين الثاني والثالث بالكلية ، وأما ساكن الغرفة القديم ، قائد الحرس ، فقد ترك مكتبه يوم 25 يناير إلى الشارع ، في مهمة شرطية معتادة ، لكنه خرج ولم يعد .

25 يناير 2012م