ثقافة التطوع ومستقبل تنمية المجتمع
عرف العالم العربي والإسلامي نظام الوقف الذي أدى دورا مهما ، على مدى قرون ، في دعم التعليم والصحة و دورالعبادة ، كما أعال بعض الفئات في المجتمع كالصوفية وعابري السبيل .
وقد شاءت الحكومات الحديثة في العالم العربي والإسلامي أن تحل محل نظام الوقف ، وأن تقوم الدولة مقام هذا النظام ، فهي التي تبني دور العبادة والمستشفيات ، وتقدم الدعم النقدي لبعض الأرامل والأيتام ، وفي مصر قامت الدولة بإحلال وزارة الأوقاف محل نظام الوقف الإسلامي ، ولكن نظام الوقف أخذ يعود على استحياء في شكل مؤسسات خيرية و تنموية مثل تلك التي أنشأها نجيب ساو يرس ومحمد فريد خميس ومحمد منصور وغيرهم ، وكان للأستاذ محمد حسنين هيكل فضل السبق في إنشاء مؤسسة حديثة لدعم مهنة الصحافة في العالم العربي ، فقدم مبلغا كبيرا من المال ، وسجلت المؤسسة باسم مؤسسة هيكل للصحافة العربية ، وهي مبادرة رائدة أسست على النمط الغربي في مدينة القاهرة مع بداية القرن الواحد والعشرين .
ولا شك أن دعم العلم والثقافة قد اقتصر في زمن الخمسينيات والستينيات والسبعينيات على الدولة المصرية ممثلة في وزارة الثقافة وصندوق التنمية الثقافية ونظام التفرغ الذي تدعمه الوزارة ، وكذلك الجوائز التي تقدمها كل عام . ومع نهاية الفرن العشرين أخذت تنشأ مؤسسات تدعم الثقافة والعلم مثل جمعية أحمد بهاء الدين ومؤسسة ساو يرس وغيرهما ، وكان فضل السبق في العالم العربي لمؤسسة عبد الحميد شومان في عمان ، والتي تدعم البحث العلمي ونشاطات تنموية أخرى . ونشأت أيضا مؤسسة الفكر العربي في بيروت ، ولكن الشكوك أحاطت بها من حيث ارتباط المال فيها بالسلطة في الدولة العربية المركزية والمسيطرة . ثم كان أن أعلنت المملكة العربية السعودية عن أكبر وقف في العصر الحديث بلغ عشرة مليارات دولار خصصت لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقانة ، وهو عمل جليل لا نقلل من شأنه ،على أننا نؤكد أنه جاء من أموال حكومية .
وقد ظهرت مبادرات جديدة في مجال الدعم العيني والنقدي للفقراء عن طريق جمعيات البر والإحسان تحت عناوين متنوعة كالجمعية الخيرية وجمعية رعاية مرضى السرطان أو الكلى والكبد ... الخ، والتي كان للإخوان المسلمين مساهمة واضحة فيها ، وتنبه جهاز الدولة بأخرة إلى الأمر فأخذ يعمل بهمة وإصرار
على غلق هذه الجمعيات ومنع الإخوان من إنشاء جمعيات جديدة منعا باتا .
أما الدعوة التي نتبناها هنا ، ونراها ضرورة من ضرورات العصر ، لحماية الفقراء من ناحية ، ودعم العلم والتعليم والثقافة من ناحية أخرى ، فهي مبادرة التنمية عن طريق التطوع ، ويشمل التطوع بالمال والوقت والمجهود البدني والعقلي على السواء .
إن ثقافة التطوع التي ندعو إليها منتشرة في دول الغرب الرأسمالي انتشارا ظاهرا ، وهي جزء من منهاج التربية والتعليم في المدارس والجامعات في تلك المجتمعات ، كما أنها أصيلة في برامج الأحزاب السياسية ، وفي فكر الأفراد الفاعلين في المجتمع . ولقد ظهر على شاشة قناة الجزيرة هذا الشهر واحد من بني جلدتنا هو الدكتور هاني البنا ، الأزهري المتنور الذي يعيش في انجلترا ويرأس المنتدى الإنساني العالمي ، ودعا الدكتور البنا إلى نشر ثقافة التطوع في المجتمعات الإسلامية بديلا لثقافة الإحسان التي سادت زمنا طويلا ، ولم تؤت الثمار المرجوة منها على الإطلاق .
كما تحدث الدكتور إبراهيم أبو العيش صاحب مشروع "سيكم " إلى جريدة الشروق يوم 25 سبتمبر ، وشرح بتفصيل ووضوح كيف يكون الاقتصاد والتنمية المستدامة في خدمة الإنسان وكرامته وأمنه وحقوقه ، وذلك من خلال مشروعات خاصة لا حكومية ، وقال أبو العيش إن التنمية المستدامة معناها أن يوجد مجتمع حي يجدد نفسه باستمرار ، وهي الفكرة ذاتها التي نؤمن بها وندعو إليها
إن ثقافة التطوع هي ثقافة الإسهام في تنمية المجتمع دون الحاجة إلى مد اليد من قبل الفقير، إنها ثقافة دعم المدارس والجامعات ومراكز البحث ، وهي ثقافة تقوم على الثقة في قدرة المجتمع على النهوض والتطور ، لا على التفكير في الحكومة وواجباتها ، ومدى تقصيرها من عدمه . وهي ثقافة ديمقراطية هادفة ، لأنها تبني فلسفتها على التنمية بالتخطيط والاستمرار في العطاء عن طريق رسم الخطط ، وإقامة المشروعات ، والاعتداد بالأمور الصغيرة والكبيرة على السواء .
1 أكتوبر 2009
الأربعاء، 28 أكتوبر 2009
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق