كــومة ورق
في طريقي إلى محطة القطار مررت على بائع الصحف ، فغلبني طبعي واشتريت عددا من المطبوعات ، وفي القطار استقر بي المقام في مقعدي فألقيت بأكياس النايلون التي غلفت بعض المطبوعات ، متخلصا من التراب العالق بها ، و أخذت أعالج ما لم يكن مغلفا بمنديل ورقي ، ثم قلت أفتح كنزي لأرى ماذا حملت . كانت في الحمولة صحيفة وكتاب ومعهما مطبوعات أخرى .
أما الصحيفة فهي أخبار الأدب ، العدد 809 الصادر في 11يناير 2009 ، و أما الكتاب فهو العدد رقم 75 من سلسلة "كتاب العربي" الصادر في يناير 2009 و تصدره مجلة العربي الكويتية .
لم تكن أسعار هذه المطبوعات غالية أبدا فهي جميعها قد صدرت عن مطابع و دور نشر حكومية أو جهات أهلية اشتراكية الطابع . كنت راضيا إذا عن سعر هذه المطبوعات ، و لكن شيئا آخر أسخطني ، ساعتها عجبت لموقفي فقلت في نفسي مستنكرا " هل أنا غلطان ؟ "
بدأت تصفحي بأخبار الأدب وفيها عنوان رئيسي ( ابن عربي على مقصلة الإخوان ) فذهبت إلى داخل الصحيفة ، ووجدت الموضوع على الصفحة الرابعة ، و فيها عنوان آخر جاذب و مثير يقول " وسط مذابح غزة الإخوان يواصلون تحريم الفكر " قرأت الموضوع الذي غطى ثلث الصفحة و ليس موقعا فوجدته يبدأ على النحو التالي " نفى مصدر مسئول بوزارة الثقافة لـ " أخبار الأدب " أنه لم تصدر أية تعليمات لسحب نسخ ابن عربي من فروع هيئة الكتاب ، أخذتني الحيرة ، هل صدرت تعليمات أم لم تصدر ؟ فالكاتب يريد أن ينفي صدور التعليمات و لكنه أثبت صدورها لأنه نفى النفي ، ونفي النفي إثبات .
قلت لنفسي أين نقرأ أخبارا صياغتها سليمة إن لم نقرأها في أخبار الأدب ؟
ثم عدت و قلت هل أنا غلطان؟
و عدت إلى الموضوع حيث أخذ الكاتب يسرد تفاصيل موضوع المنع الذي يطالب به الإخوان و ينفيه مسئول وزارة الثقافة ، فكتب " تقدم أحد نواب كتلة الإخوان بطلب إحاطة ، و ذكر الكاتب اسم الدكتور عبد الناصر حسن رئيس دار الكتب ثلاث مرات ، كما ذكر اسم منى عبد العزيز و أحمد عرابي و هم من الموظفين ، ولكنه حينما ذكر موقف نائب مجلس الشعب الذي هو أساس الموضوع المنشور ، لم يذكر اسمه ، بل سماه أحد نواب كتلة الإخوان ، و هذا معيب مهنيا .
ثم ذكر كاتب الموضوع أن هذا النائب قد تقدم بطلب إحاطة ضد رئيس الوزراء ووزير الثقافة متهما فيه وزارة الثقافة بتنظيم مؤتمر بالمخالفة لقرار برلماني صدر في الجلسة 37 بتاريخ 15 فبراير 1979م ، و فيه نص على عدم الاحتفال بابن عربي ، لأن الاحتفال به يتعارض مع أصول الدين ، و كذلك إيقاف و منع طبع الأجزاء الباقية من كتاب " الفتوحات المكية "
قلت لنفسي لماذا صمت المثقفون والكتاب و الدارسون للتصوف كل هذه السنوات ، حتى تنبه نائب من الإخوان ، وأخذ يستخدم حقه الدستوري في الرقابة و يطالب الحكومة بالانصياع لإرادة نواب الأمة؟
ثم قلت كرة أخرى ، هل سؤالي مشروع ، أم هل أنا غلطان؟
و نظرت إلى أخبار الأدب نظرة أخيرة ، فإذا عيني تقع على التعليق الذي وضع ليشير إلى صورة الغلاف :
( طفل فلسطيني تجمد من الخوف في عينيه تحت القصف الوحشي في غزة )
و قلت الصواب أن الذي تجمد في عيني الطفل هو الخوف ، و قلت أيضا هل أنا غلطان؟
ذهبت إلى كتاب العربي ، فوجدته مقالات للكاتبة سنية قراعة و عنوانه "نساء في التاريخ العربي" و هي مقالات قديمة للكاتبة نشرت في المجلة بين عامي 1961 و 1973م . و أول ما خطر ببالي هو أين سنية قراعة ؟ هل ما تزال تحيا بيننا أم أنها رحلت عن هذه الدنيا ؟ و إذا كانت قد رحلت فمتى رحلت ، و إذا كانت حية لم تزل فكم يبلغ عمرها الآن و هل لها كتابات جديدة ؟
لم أجد معلومة واحدة عن سنية قراعة ، فسألت : لماذا كلف رئيس تحرير مجلة العربي الدكتور سليمان العسكري نفسه بكتابة مقدمة للكتاب ، أظن أنه من السهل الاستغناء عنها ، و لم يشر و لا إشارة واحدة إلى حياة الكاتبة و لا لمؤلفاتها ؟ ثم عدت لأقول ، هل أنا غلطان؟
وأخيرا توقف القطار فغادرته ، متحملا جبل الأسى على ما ضاع من وقتي ومالي مع مطبوعات هي مجرد كومة ورق .
13 يناير 2009
الخميس، 29 أكتوبر 2009
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق