الثلاثاء، 29 ديسمبر 2009

في الثقافة : هل فاز المتعفن على الجبان ؟

هل كان الأزهر يدرك فداحة النتائج المترتبة على خوفه من السلفية الوهابية وخضوعه لها على هذا النحو المذل المهين ؟
الذين يعرفون تاريخ الأزهر ، يهولهم ما صار إليه دوره وتأثيره من ردة وتراجع ، ولا ندري متى ينتهي هذا الزمن الذي أصبح همّ الأزهر فيه الخضوع للدولة المصرية - الخائفة من إسرائيل والولايات المتحدة حد الرّعب والانبطاح - من ناحية ، وللاتجاه الوهابي السلفي المتحجر من ناحية أخرى .
خضع الأزهر للسلفية وللدولة الخائفة في قضايا عديدة : ففي قضية ميكوفونات المساجد انهزم وزير الأوقاف الحالي وكان أشد المهاجمين له صحفيو الحكومة ، أو فرق الكاراتيه كما يسميها الأستاذ هيكل ، وفي قضية الدعوة السلفية وقنواتها الفضائية المنتشرة كما السرطان ، انهزم الأزهر شر هزيمة لأنه فرّ من القتال أصلا ، و خضع الأزهر في قضية النقاب وفازت السلفية حتى الآن فوزا كاسحا ، وكان فوزها هذه المرة على الثلاثة الأطراف الذين أرادت أن تحاربهم وهم : الدولة والمجتمع والأزهر.
أنا شخصيا أستنكر أن ينظر لموضوع النقاب نظرة استهانة ، ولا أوافق الرأي الذي يقلل من أهمية الموضوع ، قضية النقاب هي أحد تجليات ذلك الخضوع المهين من الأزهر والدولة على السواء ، فالدولة المصرية أو الإدارة المصرية – كما يحلو للمدققين أن يصفوها – لم ترغب في السير قدما في محاربة النقاب وأرغمت طفلها المدلل وزير الثقافة فاروق حسني على التراجع عن موقفه – وكان على حق – حينما هاجم النقاب ، ثم عنّ للدولة أن تقف من النقاب موقفا جديدا وها هو الأزهر يتصدى للأمر هذه المرة .
يوم الثلاثاء 22 من ديسمبر 2009 ، نشرت جريدة الشروق خبرا تفصيليا عن ندوة أقامها الأزهر بحضور الإمام الأكبر محمد سيد طنطاوي والمفتي علي جمعة ووزير الأوقاف محمود زقزوق وآخرون من كبار أساتذة الأزهر. وقد جاء في الخبر أن المفتي قال " إن النقاب عنوان لثقافة مغلوطة ومتعفنة وأنها البيئة الأولى للإرهاب والعنف " فكانت هذه أقوى التعبيرات وأشدها نكيرا على النقاب .

وضعت الجريدة عنوانا مثيرا للخبر يقول " هجوم ثلاثي على النقاب من طنطاوي وجمعة وزقزوق " وفي تفاصيل الخبر ورد تعبير قوي جدا لسعاد صالح أستاذ الفقه بالأزهر في رفض النقاب حيث طالبت "بإصدار قرار يحظر النقاب تماما وليس داخل الفصول والامتحانات فقط"
قراءة الخبر بتدقيق سوف تدلنا على أسباب الأزهر في وقوفه هذه الوقفة القوية هذه المرة ضد النقاب ، فقد جاء على لسان أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر والذي حضر الندوة أيضا " أنه ليس من الحرية تحويل ما هو مباح إلى سنة أو العكس ، فالحرية يجب أن تمارس تحت أحكام شرعية ، وأن النقاب في الثلاث سنوات الأخيرة خرج عن كونه مباحا إلى الوجوب وبالتالي وجب على الأزهر مقاومته وتحديد الأحكام الشرعية له " وهذا كلام علمي في غاية الدقة ، وهو من أخطر ما قيل في شأن النقاب ؛ لأنه يحدد المشكلة تحديدا علميا ، فهذا معناه أن الناشرين لدعوى النقاب قد استهانوا بالمفاهيم الفقهية الراسخة ، ثم هو يضع الأزهر أمام مسئوليته .
ثم إن كلام وزير الأوقاف محمود زقزوق كان مهما للغاية إذ رأى في النقاب إساءة للحريات وضد المجتمع ، وأضاف معلومة في غاية الأهمية وهي أن شيخ الأزهر السابق جاد الحق قد أصدر قرارا منذ 15 عاما بمنع النقاب ، وأن ذلك كان بعد أن شاهد معلمات يدرسن لتلميذات في المرحلة الابتدائية وهن يرتدين النقاب .
وأما الشيخ طنطاوي فقد استند إلى التاريخ وقال إن زوجات الرسول لم يرتدين النقاب وأنه لم يرد عن رسول الله أنه تعامل مع نساء منتقبات . بل إن شيخ الأزهر كان أكثر الجميع وضوحا في ربط النقاب بالمجتمع وثقافته ورفض أن يكون الموضوع هامشيا ، بل رآه مما وجب بيانه لأن " عدم بيانه سيؤدي إلى تخريب البلاد "
وكما هو حال الأزهر في كل مرة ، يحملون همهم بين جوانحهم ، ولاسيما من كان منهم على قدر من العلم والتفتح كالشيخ علي جمعة والوزير زقزوق . لقد كان لهما السبق بمحاولة تحجيم الدعوة السلفية المتحجرة في مصر ، جرت في العام 2008 ، حينما صرح المفتي ووزير الأوقاف - وفي ندوة عامة أيضا - أن السلفية تريد أن تكون وحدها صاحبة الرأي ، ولا تترك الفرصة لغيرها ؛ لأنها لا تقبل التعدد في الرأي ، وأن هذا خطر على الإسلام ، في تعدديته وتسامحه وعالميته ، فكان رد فعل أنصار السلفية الموتورين في كل من مصر والسعودية ، هجوما بالألفاظ الجارحة شهده موقع إسلام أون لاين وقتها ، واتهم الشيخان بالتغريب والخروج على مبادئ الإسلام ، وسكت الشيخان .
وإنه مما يثلج صدورنا ويشفى غليلنا حقا ، أن نرى الأزهر ، محتشدا لمعركته معركة النقاب ، هذه المرة ، و أن نسمع هذا الكلام الذي ورد على ألسنة هذه الطائفة من العلماء ، وأنا أظن أن شيخ الأزهر قد تعمد أن يحشد هؤلاء العلماء لمؤازرته في قضيته التي أثارها منذ شهور ، ولم يوفق في إقناع الرأي العام وقتها ، برغم أنه كان على حق من حيث المبدأ ، حيث أراد أن يمنع طفلة ، هي تلميذة في الأزهر من ارتداء النقاب ، ولكنه لم يوفق في تعبيره عن رأيه ، وانتهت المعركة وقتها وكأن الشيخ قد باء بهزيمة منكرة ، وأنه لن يعاود المحاولة ، لكن يبدو أن الأمر كان أكبر من ذلك .
هناك شكوك في محلها تماما أن يكون الشيخ مدفوعا فيما صنع بتعليمات من قبل جهاز أمن الدولة أو جهات أخرى في الدولة ، وبرغم أنني شخصيا لست من المعجبين بالشيخ ، إلا أنني أؤيد تماما أن يحشد الأزهر نفسه على هذا النحو وأن يقف هذه المرة وقفة جادة وحازمة ضد النقاب كما جرى في الندوة المذكورة .
في موضوع النقاب ، ولكي نكون منصفين ، لم يكن التخاذل من الأزهر وحده ، بل تخاذلت الدولة كما قلنا ، والأدهي من ذلك أن صانعي الرأي قد تخاذلوا : تخاذل الإعلام ، وتخاذلت التربية والتعليم ، فهنالك آلاف المعلمات في مدارسها في كل إدارة تعليمية يرتدين النقاب ، برغم أن القانون يحظر التدريس بالنقاب ، وتخاذلت الجامعة فسمحت للطالبات والموظفات وبعض عضوات هيئة التدريس بارتداء النقاب ، كما وتخاذل كبار الكتاب وذوو المهابة والكلمة المسموعة ، ويبدو أننا كما افتقدنا شيوخا للأزهر أصحاب رأي وحجة وموقف من طبقة الشيخ محمد مصطفى المراغي (1881 - 1945 ) والشيخ محمود شلتوت ( 1893 - 1963 ) فقد افتقدنا أيضا كتابا من طبقة أحمد بهاء الدين ويوسف إدريس وخالد محمد خالد وبنت الشاطئ ، هؤلاء الذين كانوا نبراسا للناس ، وكلمتهم حجة ، لم يعد لهم وجود ، ولذلك آثرت ألا أستخدم مصطلح المثقفين في هذا المقال ، لأنني على يقين أن المثقف لا يمكن أن يكون جبانا .
29 ديسمبر 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق