السبت، 9 يناير 2010


حرب المساجد (2)
الفلاح الطيب يشتري أرضا ويبني مسجدا

حدثني فلاح من بلدنا تليفونيا يطلب مقابلتي ، رحبت به قائلا هل تريدني أن أقابلك في البلد أم في منزلي بالمدينة ، قال بل آتي إليك أنا ، وجاء الفلاح مع أحد إخوتي ، وحكى لي تفاصيل كثيرة عن علاقته بجيرانه الذين أعرفهم جميعا وبعضهم أصدقائي ، ثم قال :
أنت تعرف المكان الذي أقمنا به المسجد أمام منزلي ، قلت نعم ، قال لقد كان من أحلامي أن أقيم مسجدا في هذا المكان ، فلما عزم أخي على بيع قطعة الأرض تلك قلت هذه هي الفرصة وعرضت الأمر على الجيران ، واشترينا الأرض واتفقنا أن نقيم المسجد بالجهود الذاتية ، وأن يبقى المسجد في حوزتنا لا نضمه للأوقاف ، والآن فقد جئت إليك لتنصفني من فلان صديقك لأنه افتأت عليّ وسبب لي الإهانات ، كما أنه صادر المسجد لمصلحته هو من يروقون له .
قلت لصديقي الفلاح : هل تملك أوراقا في يدك تضمن بها ألا تهزم في المعركة ؟ فقد كنت أعلم تماما أن المسألة خرجت من يد هذا الفلاح الطيب وأصبحت في يد أمن الدولة ، والفلاح - وهو الملتحي - تهديده سهل للغاية ، فقط قل إنه يريد أن يجعل المسجد بؤرة للمتطرفين ، ولا عليك بعد ذلك .
ثم استجبت لرغبة الرجل ودعيت صديقي الأستاذ الجامعي الذي يتنازع معه النفوذ على المسجد لحضور جلسة صلح بمنزلي، وكانت ليلة ليلاء علت فيها الأصوات وامتد الكلام لساعة متأخرة من الليل ، كان مطلب الفلاح أن يعتذر له الأستاذ ، وأنكر الأستاذ أن تكون وقعت منه إساءة ، فذهبت هذه التهمة بإنكار المدّعَى عليه ، ثم طالب الرجل بمنع أحد العمال من العمل بالمسجد لأنه يأمر وينهى في المصلين ويزجرهم ، بل يمنعهم أحيانا من دخول المسجد ، وقال الفلاح الطيب : هل يعقل أن يكون المسجد في أرضي وأمام منزلي ولا أصلي فيه ؟ ومرة أخرى أنكر الأستاذ أن تكون له يد في هذا فهو لا يقيم في القرية ، ففند الدعوى الثانية . ثم قال الفلاح : يا أستاذ ألم نتفق على ألا نضم المسجد للأوقاف ؟ قال الأستاذ : لم يحدث هذا وأنا اضطررت لضم المسجد حتى نسيطر عليه ونبعد أنفسنا عن الخلاف .
وأخذ الأستاذ يعرض علينا بعض ما أسهم به من أعمال الخير فقال : أنتم تعلمون أنني أسهمت في إنشاء مساجد كثيرة بفضل الله وتوفيقه ، منها مسجد في مكان أنتم تعرفونه عند أنسبائنا ، فقلت أنا مستنكرا : وهل هذا المكان به مسجد الآن ؟ أنا لا أصدق أن يقام مسجد جديد مقابل المسجد الآخر الذي لا يبعد عنه سوى مسافة عرض الترعة وبينهما كوبري ، ثم إن السكان هناك لا يزيدون عن مائة فرد هم أفراد عائلتين اثنتين لا أكثر ، وقلت إن عملك لم يكن خيرا كما ظننت ، بل إنني أراك أسهمت في الشر ، قال الأستاذ لكن المسجد أقيم وهم الآن عال العال ، حينئذ تحدث أحد الحاضرين لأول مرة فقال : إن العائلتين اللتين تتحدث عنهما ، يحدث بينهما نزاع كل أسبوع لأن أحد المسجدين يسبق الآخر في الآذان والصلاة ولا يكون الفرق بينهما سوى دقائق أو ثوان ، فلا يدري المصلون خلف من يصلون ولا أي الميكروفونين يتبعون ، ويحدث الهرج والمرج ، وأكد الرجل وهو خطيب للجمعة أنه قد حضر بدعوة من أحد الطرفين لحل ذلك النزاع .
انهزم الفلاح الطيب كما توقعت ، ولكني لم آسف كثيرا لهزيمته ، فقد انكشف لي أنه أقام المسجد لكي يكون له نفوذ فيه ، ولكي لا يذهب للصلاة في المسجد الجامع بوسط القرية لأن المصلين فيه لا يرضى هو ونفر من الناس عنهم ، فيتبادل الجميع العناد والشجار على الفاضي والمليان كل يوم إن لم يكن كل صلاة . وأن الحل الذي ارتضوه هو شراء أرض وإقامة مسجد جديد ، واستطاع الأستاذ بخبرته العريضة أن يأخذ المسجد منهم ، ولابد أنهم يبحثون الآن عن حل جديد للمشكلة القديمة : كيف تحصل على مسجد ترضى أنت عنه وعن المصلين فيه؟

حرب المدن
وقائع حرب المساجد ، لا تنتهي ، وأراني كل يوم أشهد فصلا من فصولها الممتدة ،فقد ذهبت منذ أسبوع إلى الوحدة الاجتماعية لكي أقلّ بسيارتي اثنتين من موظفات وزارة التضامن ، لتعيين المقرّ الجديد لجمعيتنا الأهلية ، ووقفت أمام المبنى الحكومي في الشارع أنتظرهما ، ثم جاءت إحداهما قبل زميلتها ، وقالت معتذرة :
نأسف للتأخير فقد كنا على موعد لتعيين موضع ستقام به جمعية أهلية خلف الكنيسة
قلت - وأنا أعلم أن المدينة بها كنيسة واحدة - : ولكن المكان خلف الكنيسة خالٍِ فكيف ستقام به الجمعية ؟
قالت الموظفة الفاضلة "إن الذين يقيمون الجمعية سيبنون مسجدا في المكان الخالي" ولهذا طلبوا إشهار جمعية .
قلت هذه جريمة ، إن الحرب ستشتعل لأن المسجد سيكون ملاصقا للكنيسة .
قالت الأخت الفاضلة : وهذا مقصود ، وهو المراد ، ألا تريد للإسلام أن يعلو صوته !
قلت نعم ولكن هذا ليس إعلاءً لصوت الإسلام بل إسكات لصوت المسيحيين ، ولهم حق مثلما لنا حق .
أردفت الأخت المناضلة : صوت الإسلام له الحق أن يكون هو الأعلى .
انتهت الخطبة العصماء التي ألقيتها بوجه السيدة الداعية المناضلة ، مستنكرا فعلها وفعل هؤلاء الذين ينوون بناء المسجد لصق الكنيسة ، وإشعال النار بين المسجد والكنيسة ، ولم يهتز للسيدة جفن ، ولم يتغير موقفها قيد أنملة ، فهي تعتقد كما أفهمها خطباء الجمعة ودعاة الفضائيات أنها مكلفة بالدعوة للإسلام ، وهي لا شك تجد في نفسها القدرة على ذلك .
كظمت غيظي ، وقد اعتدت أن أكظمه كل يوم بسبب الزاوية القريبة من منزلي وهي زاوية لا تتسع لأكثر من خمسين فردا ، ولكن المستشار حازم علق عليها ثمانية من مكبرات الصوت المرعبة ، وتذكرت أيضا أن المستشار حازم صاحب جمعية أهلية ، وقلت لنفسي "روّح من سكات " و إلا عرّضت نفسك لغضب المستشار حازم ، وتروح ضحية حرب لا ناقة لك فيها ولا جمل.

9 يناير 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق