قاضي دمياط يحاكم أينشتين
كان يوما شتويا رائعا ، من أيام التسعينيات ، الشوارع مغسولة بماء المطر ، بينما كان الجو مليئا بالدفء ، وذهبت أنا وصديق لي إلى مبنى المحافظة ، على كورنيش النيل في دمياط ، ودلفنا مع جمهور عريض إلى قاعة بها مدرّج ، فجلسنا هناك مع الجالسين ، وانتظرنا ظهور الضيف الذي جئنا للاستماع إلى محاضرته.
ثم ظهر المحافظ على المسرح ليقدم لنا ضيفه الكبير ، المحافظ هو المستشار عبد الرحيم نافع ، والضيف هو الدكتور فاروق الباز عالم الجيولوجيا الذي اشترك في برنامج الفضاء الأمريكي في ستينيات القرن العشرين . فبدأ المحافظ حديثه بالقول إن الضيف العزيز تتنازعه محافظات مصر ، فتارة هو دمياطي وتارة هو دقهلاوي وتارة هو قاهري ، لأنه قد تعلّم وعاش في كل تلك المدن المصرية ، وأهل هذه المدن جميعا يعتزون به ويفخرون ، فهو عالم جليل رفع رأس المصريين في عنان السماء .
لم يكتف المحافظ بهذا التقديم ، حيث رفع من شأن ضيفه ، ووضعه في مصاف الشخصيات الوطنية ، بل أراد أن يقارنه بأمثاله من العلماء الأفذاذ ، ولا أدري لماذا ظهر أمامه اسم أينشتين بالتحديد ، فأخذ المحافظ كلما كال المدح لفاروق الباز ، أعطى لأينشتين في مقابله ذما موازيا ، حتى إذا أراد للباز أن يبذّ أينشتين في أعين مستمعيه المؤمنين قال لهم :
" هذا ضيفكم الذي تعتزون به يؤمن بالله ، وهذا عالمهم الذي يفخرون به لا يؤمن بالله "
وكانت هذه هي النتيجة النهائية التي انتهى إليها "ضمير القاضي" وصفّق لها الجمهور ، والمؤكد أنه لم يكن من اللائق أن يعترض فاروق الباز على كلام المحافظ وهو ضيفه ، فخرجنا من القاعة ، وقد حُكم على أينشتين حكم باتٌّ بأنه لا شئ .
ثم كان أن المحافظ كلما تحدث ، في مناسبة من المناسبات ، أخذته البلاغة إلى حيث تريد هي لا إلى حيث يريد هو ، ولعله ارتاح لارتياح الجمهور ، فقد رأيته مرة في مؤتمر في جامعة المنصورة بدمياط ، وهو يلقي هذا النمط من الكلمات ، والأحكام التي ما أنزل الله بها من سلطان ، ثم هو يجد من جمهوره الإعجاب بالكلمات الجوفاء ، والأوصاف التي تتحدث عن الرَّوْعة والبهاء ، والجمال والجلال ، والندى والصفاء ، فإذا أنت فتشت كلامه لم تجد وراءه معنى من المعاني ، ولا حكما يمكن للعقل قبوله أو رفضه .
ثم ترك المستشار عبد الرحيم نافع شارعا باسمه في دمياط ، وترحّل إلى القاهرة ، وهناك أصبح رئيسا للجنة التشريعية بمجلس الشورى ، وكلما رأيته في التليفزيون و ذكرت حكمه الذي حكم به على أينشتين في دمياط ، تصيبني الرهبة فأقول في نفسي : وقانا الله شرّ أحكامك أيها القاضي ، وأما أينشتين فله ربٌّ يحميه !! .
28 فبراير 2010
كان يوما شتويا رائعا ، من أيام التسعينيات ، الشوارع مغسولة بماء المطر ، بينما كان الجو مليئا بالدفء ، وذهبت أنا وصديق لي إلى مبنى المحافظة ، على كورنيش النيل في دمياط ، ودلفنا مع جمهور عريض إلى قاعة بها مدرّج ، فجلسنا هناك مع الجالسين ، وانتظرنا ظهور الضيف الذي جئنا للاستماع إلى محاضرته.
ثم ظهر المحافظ على المسرح ليقدم لنا ضيفه الكبير ، المحافظ هو المستشار عبد الرحيم نافع ، والضيف هو الدكتور فاروق الباز عالم الجيولوجيا الذي اشترك في برنامج الفضاء الأمريكي في ستينيات القرن العشرين . فبدأ المحافظ حديثه بالقول إن الضيف العزيز تتنازعه محافظات مصر ، فتارة هو دمياطي وتارة هو دقهلاوي وتارة هو قاهري ، لأنه قد تعلّم وعاش في كل تلك المدن المصرية ، وأهل هذه المدن جميعا يعتزون به ويفخرون ، فهو عالم جليل رفع رأس المصريين في عنان السماء .
لم يكتف المحافظ بهذا التقديم ، حيث رفع من شأن ضيفه ، ووضعه في مصاف الشخصيات الوطنية ، بل أراد أن يقارنه بأمثاله من العلماء الأفذاذ ، ولا أدري لماذا ظهر أمامه اسم أينشتين بالتحديد ، فأخذ المحافظ كلما كال المدح لفاروق الباز ، أعطى لأينشتين في مقابله ذما موازيا ، حتى إذا أراد للباز أن يبذّ أينشتين في أعين مستمعيه المؤمنين قال لهم :
" هذا ضيفكم الذي تعتزون به يؤمن بالله ، وهذا عالمهم الذي يفخرون به لا يؤمن بالله "
وكانت هذه هي النتيجة النهائية التي انتهى إليها "ضمير القاضي" وصفّق لها الجمهور ، والمؤكد أنه لم يكن من اللائق أن يعترض فاروق الباز على كلام المحافظ وهو ضيفه ، فخرجنا من القاعة ، وقد حُكم على أينشتين حكم باتٌّ بأنه لا شئ .
ثم كان أن المحافظ كلما تحدث ، في مناسبة من المناسبات ، أخذته البلاغة إلى حيث تريد هي لا إلى حيث يريد هو ، ولعله ارتاح لارتياح الجمهور ، فقد رأيته مرة في مؤتمر في جامعة المنصورة بدمياط ، وهو يلقي هذا النمط من الكلمات ، والأحكام التي ما أنزل الله بها من سلطان ، ثم هو يجد من جمهوره الإعجاب بالكلمات الجوفاء ، والأوصاف التي تتحدث عن الرَّوْعة والبهاء ، والجمال والجلال ، والندى والصفاء ، فإذا أنت فتشت كلامه لم تجد وراءه معنى من المعاني ، ولا حكما يمكن للعقل قبوله أو رفضه .
ثم ترك المستشار عبد الرحيم نافع شارعا باسمه في دمياط ، وترحّل إلى القاهرة ، وهناك أصبح رئيسا للجنة التشريعية بمجلس الشورى ، وكلما رأيته في التليفزيون و ذكرت حكمه الذي حكم به على أينشتين في دمياط ، تصيبني الرهبة فأقول في نفسي : وقانا الله شرّ أحكامك أيها القاضي ، وأما أينشتين فله ربٌّ يحميه !! .
28 فبراير 2010
للاسف الشديد نحن فى مصر لا نقدر العلم فى حد ذاته ولانقدر العلماءالا لما يحصلون عليه من شهرة و تقدير
ردحذفانما المفترض ان نقدر العلم بعيدا عن العنصريةوالافق الضيق.